عليه من وسطه إلى ركبته بحيث لا يستطيع الجلوس وكان مع ذلك يركب من بكرة النهار إلى صلاة الظهر يطوف على الأطلاب ومن العصر إلى صلاة المغرب وهو صابر على شدة الألم وقوة ضربان الدمامل وكان يعجب من ذلك فيقول إذا ركبت يزول عني المها حتى أنزل.
ومع كل هذه الصفات التي نعدد منها ولا نعدها لكثرتها وإجماع المؤرخين من العرب والإفرنج عليها كان السلطان حسن العشرة لطيف الأخلاق طيب الفكاهة حافظاً لأنساب العرب ووقائعهم عارفاً بسيرهم وأحوالهم حافظاً لأنساب خيلهم عالماً بعجائب الدنيا ونوادرها بحيث كان أصحابه يستفيدون محاضرة منه مالا يسمعون من غيره وكان يستحسن الأشعار الجيدة ويرددها في مجالسه وكثيراً ما ينشد قولهم:
وزارني طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حولي به فرحاً ... وكاد يهتك ستر الحب بي شغفاً
ثم انتبهت وآمالي تخيل لي ... نبل المني فاستحالت غبظتي أسفاً
وكان يعجبه قول ابن المنجم في خضاب الشيب
وما خضب الناس البياض لقبحه ... وأقبح منه حين يظهر ناصله
ولكنه مات الشباب فسودت ... على السم من حزن عليه منازله
وكان يسأل الواحد منهم عن مرضه ومداواته ومطعمه ومشربه وتقلبات أحواله وكان طاهر المجلس لا يذكر بين يديه أحد إلا بالخير وطاهر السمع فلا يحب أن يسع عن أحد إلا بالخير وطاهر اللسان فما شوهد مولعاً بشتم قط حسن العهد والوفاء عما أحضر بين يديه يتيم إلا وترحم على مخلفه جبر قلبه وأعطاه خبز مخلفه وسلمه إلى من يكفله ويعني بتربيته وكان لا يرى شيخاً إلا ويرق له ويعطيه ويحسن إليه.
قال ابن شداد: ولقد رأيته وقد مثل بين يديه أسير إفرنجي قد أصابه كرب بحيث أنه ظهرت عليه إمارات الخوف والجزع فقال للترجمان: من أي شيء يخاف فأجرى الله على لسانه أن قال: كنت أخاف قبل أن أرى هذا الوجه فبعد رؤيتي له وحضوري بين يديه أيقنت أني ما أرى إلا الخير فرق له ومن عليه وأطقه ولقد كنت راكباً في خدمته في بعض الأيام قبالة الإفرنج وقد وصل بعض اليزكية ومعه امرأة شديدة التخوف كثيرة البكاء