متواترة الدق على صدرها فقال اليزكي: إن هذه خرجت من عند الإفرنج فسألت الحضور بين يديك وقد أتينا بها فأمر الترجمان أن يسألها عن قصتها فقالت اللصوص المسلمون دخلوا البارحة إلى خيمتي وسرقوا بنتي وبت البارحة استغيث إلى بكرة النهار فقال لي المملوك: السلطان هو أرحم ونحن نخرجك إليه تطلبين ابنتك منه فأخرجوني إليك وما أعرف ابنتي إلا منك فرق لها ودمعت عينه وحركته مروءته وأمر من ذهب إلى سوق العسكر يسأل عن الصغيرة من اشتراها ويدفع له ثنمها ويحضرها وكان قد عرف قضيتها من بكرة يومه فما مضت ساعة حتى وصل الفارس والصغيرة على كتفه فما كان إلا أن وقع نظرها عليها فخرت إلى الأرض تعفر وجهها في التراب والناس يبكون على ما نالها وهي ترفع طرفها إلى السماء ولا نعلم ما تقوله فسلمت ابنتها إليها وحملت حتى أعيدت إلى عسكرهم.
ولقد كان يسمع من المستغيثين والمتظلمين أغلظ ما يمكن أن يسمع ويلقى ذلك بالبشر والقبول دلالة على حرية نفسه وسعة صدره وقد كان يوماً بعض خدمه يلعبون بس موزة (بانتوفل) في ناحية فوقعت على رأسه فأدار وجهه كأنه لم يحدث شيء وتظاهر بأنه لم ير شيئاً وكان الحافظ ابن عساكر يدخل يوماً: ما هذا؟ كنا في عهد نور الدين ندخل هذا المكان والناس كأن على رؤوسهم الطير إشارة إلى أن صلاح الدين يتساهل مع خدمه ملق حبلهم على غاربهم.
لما فتح صلاح الدين القدس وغيرها من السواحل ولم يبق في أيدي الصليبين إلا عكا وصور وغيرها من البلاد التي لا شأن لها ورأى أن المشيب أنذره بقرب الأجل عقد العزم على الحج إلى بيت الله الحرام فلما بلغ القاضي الفاضل كتب إليه مشيراً بتبطيله: إن الفرنج لم يخرجوا بعد من الشام ولا سلوا عن القدس ولا وثق بعهدهم في الصلح فلا يؤمن مع بقاء الفرنج على حالهم وافتراق عسكرنا وسفر سلاطيننا سفراً مقدراً معلوماً مدة الغيبة فيه ان يسيروا ليلة فيصبحوا القدس على غفلة فيدخلوا إليه والعياذ بالله ويفرط مديد الإسلام ويصير الحج كبيرة من الكبائر التي لا تغتفر ومن العثارت التي لا تقال إلى أن يقول: يا مولانا مظالم الخلق كشفها أهم من كل ما يتقرب به إلى الله وما هي بواحدة في أعمال دمشق من المظالم من الفلاحين ما يستغرب معه وقوع القطر ومن تسلط المقطعين على