أشياء تأباها العقول على علاتها مع أنه مرتاب بها كما قال وهو في مثل هذه النقول مقلد أما وصفه للبلاد التي رآها فهو فيه مجتهد ولذلك ترى التحقيق بادياً على كلامه.
ولقد رأينا بعض الخاصة ينقدون على ياقوت قوله في الأحايين أن الاسم الفلاني اسم جبل في اليمن مع أن بلاد اليمن واسعة الأطراف لا تعد مملكة بل ممالك وكان عليه أن يحدد موقع الجبل ويعينه تعييناً بيد أن هذا مما يفوت طوق المؤلفين لعهدنا فما بالك في القرن السابع للهجرة والعرب وأهل الغرب إلى اليوم لا يعرفون جغرافية اليمن على ما يجب مع ارتقاء فن الطبوغرافيا وكثرة المواصلات البحرية والبرية وكثرة الباحثين من الغربيين في مهد الحضارة الحميرية. فطلبنا من ياقوت أن يكون مدققاً في كل ما نقل وروي هو طلب خيالي لا تقوم به الجمعيات الكبرى اليوم فما الحال بالأفراد أمس وياقوت معذور على كل حال إذا يجود كلامه إلى على البلاد التي رحب إليها أو على الحواضر منها وكفاه ذلك منقبة ومثل ذلك يقال في كتب تقويم البلدان التي وضعها المقدسي والاصطخري وابن حوقل والهمداني وأبو الفدا وغيرهم من جغرافي العرب.
ألا ترى إلى ما قاله ياقوت في أرم ذات العماد المختلف فيها ومن الناس من قال أنها الإسكندرية ومنهم من قال وهم الأكثر أنها دمشق وإياها عنى البحتري بقوله:
إليك رحلنا العيس من أرض بابل ... يجور بها سمت الدبور ويهتدي
فكم جزعت من وهدة بعد وهدة ... وكم قطعت من فدفد بعد فدفد
طلبتك من أم العراق نوازعاً ... بنا وقصور الشام منك بمرصد
إلى أرم ذات العماد وإنها ... لموضع قصدي موجفاً وتعمدي
وحكى الزمخشري أن أرم بلد منه الإسكندرية وروى آخرون أن أرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد بين اليمن وحضرموت وصنعاء من بناد شداد بن عاد وكل مئة رجل من وكلائه وقهارمته تحت يد كل رجل منهم ألف من الأعوان وأمرهم أن يطلبوا فضاء فلاة من أرض اليمن ويختاروا أطيبها تربة ومكنهم من الأموال ومثل لهم كيف يعملون وكتب إلى عماله الثلاثة غانم بن علوان والضمان بن علوان والوليد بن الريان يأمرهم أن يكتبوا إلى عمالهم في آفاق بلدانهم أن يجمعوا جميع ما في أرضهم من الذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر والزعفران فيوجهوا به إليه ثم وجه إلى جميع المعادن