فاستخرج ما فيها من الذهب والفضة ثم وجه عماله الثلاثة إلى الغواصين إلى البحار فاستخرجوا الجواهر فجمعوا منها أمثال الجبال وحمل جميع ذلك إلى شداد ثم وجهوا الحفارين إلى معادن الياقوت والزبرجد وسائر الجواهر فاستخرجوا منه أمراً عظيماً فأمر بالذهب فضرب أمثال اللبن ثم بني بذلك تلك المدينة وأمر بالدر والياقوت والجزع والزبرجد والعقيق ففضض به حيطانها وجعل لها غرفاً من فوقها غرف فعمد جميع ذلك باسطين الزبرجد والجزع والياقوت ثم أجرى تحت المدينة وادياً ساقة إليها من تحت الأرض أربعين فرسخاً كهيئة القناة العظيمة إلخ.
وبعد أن أورد تتمة هذه القصة صفحتين قال ما نصه: قلت هذه القصة مما قدمنا البراءة من صحتها وظننا أنها من أخبار القصاص المنمقة وأوضاعها المزوقة.
ومثل ذلك ما رواه في مدينة النحاس قال: ويقال لها مدينة الصفر ولها قصة بعيدة من الصحة لمفارقتها العادة وأنا بريء من عهدتها إنما أكتب ما وجدته في الكتب المشهورة التي دونها العقلاء ثم أتي على ذكرها القريب في ثلاث صفحات.
فكأن ياقوت بما ينقل من هذه الأوهام وغيرها يريد أن لا يخلي كتابه من كل أطروفة ولو كانت سخيفة فيستفيد منه الجاهل ويتفكه به العالم وبتعلم الأديب ويقتبس الباحث. ومما ذكره في استعمال الفضة قوله في شنت مربة في الأندلس فال وأظنه يراد به مريم بلغة الإفرنج وهو حصن من أعمال شنتبرية وبها كنيسة عظيمة عندهم ذكر أن فيها سواري فضة ولم ير الراؤون مثلها لا يحزم الإنسان بذراعيه واحدة منها مع طول مفرط.
ومن ذلك أيضاً ما ذكره في وصف قصر بهرام جور وهو أحد ملوك همذان بقرية يقال لها جوهستة والقصر كله حجر واحد منقورة بيوته ومجالسه وخزائنه وغرفه وشرفه وسائر حيطانه فإن كان مبنياً بحجارة مهندمة قد لوصك بينها حتى صارت كأنها حجر وحد لا يبين منها مجمع حجرين فإنه لعجب وإن كان حجراً واحداً فكيف نقرت بيوته وخزائنه وممراته ودهاليزه وشرفاته فهذا أعجب لأنه عظيم جداً كثير المجالس والخزائن والغرف وفي مواضع منه كتابة بالفارسية تتضمن شيئاً من أخبار ملوكهم وسيرهم وفي كل ركن من أركانه صورة جارية عليها كتابة.
قلنا وليس حفر هذا القصر على هذه الصورة من الأمور المستحيلة بعد أن رأينا خزنة