فأمرك طاعة قال: تهب لي هذا القصر قال: ما بي ضن عليك به ولكني أكره أن يقول الناس أن أمير المؤمنين زار عمه فأخرجه من قصره وشرده وشرد عياله وبعد فإن فيه من حرم أمير المؤمنين ومواليه أربعة آلاف نفس فإن لم يكن بد من أخذه فليأمر لي أمير المؤمنين بقضاء يسعني ويسعهم اضرب فيه مضارب وخيماً لقلهم إليها إلى أن أبني لهم ما يواريهم فقال له المنصور: عمر الله لك منزلك يا عم وبارك لك فيه ثم نهض وانصرف.
ومثل ذلك ما رواه في قنطرة خرزاذ تنسب إلى خرزاذ أم أردشير ولها قنطرتان إحداهما بالأهواز والأخرى من عجائب الدنيا وهي بين أيذخ والرباط وهي مبنية على واد يابس لا ماء فيه إلا في أوان المدود من الأمطار فإنه حينئذ يصير بحراً عجاجاً وفتحه على وجه الأرض أكثر من ألف ذراع وعمقه مائة وخمسون ذراعاً وفتح أسفله في قراره بالرصاص والحديد كلما علا البناء ضاق وجعل بين وجهه وجنب الوادي حشو من خبث الحديد وصب عليه الرصاص المذاب حتى صار بينه وبيه وجه الأرض نحو أربعين ذراعاً فعقدت القنطرة عليه فهي على وجه الأرض وحشي ما بينها وبين جنبي الوادي بالرصاص المصلب بنحاتة النحاس. وهذه القنطرة طاق واحد عجيب الصنعة محكم العمل وكان يجتاز عليها لا سيما في الشتاء وحدود الأودية وكان ربما صار إليها قوم ممن يقرب منها فيحتالون في قلع حشوها من الرصاص بالجهد الشديد فلم تزل على ذلك دهراً حتى أعاد ما انهدم منها وعقدها أبو عبد الله محمد بن أحمد القمي المعروف بالشيخ وزير الحسن بن بويه فإنه جمع الصناع المهندسين واستفرغ الجهد والوسع في أمرها فكان الرجال يحطون إليها بالزبل بالبكرة والحبال فلما استقروا على الأساس أذابوا الرصاصا والحديد وصبوا على الحجارة ولم يمكنه عقد الطاق إلا بعد سنين فيقال أنه لزمه على ذلك سوى أجرة الفعلة فإن أكثرهم كانوا مسخرين من الرساتيق التي بين أيذج وأصبهان ثلاثمائة ألف دينار وخمسون ألف دينار وفي مشاهدتها والنظر إليها عبرة لأولي الألباب.
وسنقتبس في الجزئين التاليين شذوراً من كتاب ياقوت تفيذ في تصور العمران على عهده وتدل على مبلغ عناية العرب بكل شيء ولا سيما بفن تقويم البلدان وحالة الإنسان على مدى الأزمان.