لأستاذه حذائيه ثم اتفقا على أن يقدم له كل منهما واحداً.
وأذكر على سبيل الاستطراد أن مسلم بن الوليد عين لوظيفة سامية هي وظيفة صاحب البريد بتقاضي رواتبها دون أن يشتغل فيها وكفى أنه كان يغتني بابنة الكرم ومكارمها. وأن الطغرائي كان وزيراً لسلطان الموصل مسعود ين محمد السلجوقي وأن المتنبي كان يعامل الأمراء وتؤدى له التحية التي تؤدى لهم. في تلك الأيام السعيدة كانت القصيدة تكتب على قطعة من رخام فيجازى قائلها بثقلها ذهباً. وكان البيت الواحد يساوي من ألف درهم إلى ألف دينار. فيالك من زمن مضى وانقضى كان الشعراء فيه ملوكاً والملوك شعراء. نعم لقد كان الملوك شعراء لا مبالغة في ذلك ولا مجاز وفي طليعتهم الخليفة هارون الرشيد ومعظم الخلفاء العباسيين وأحسنهم وأبلغهم عبد الله بن المعتز الذي قضى في الخلافة يوماً وكأنما فيكتور هيجو شاعر الفرنسيس كان قد أخذ عنه حين قال في رواية روت ما معناه
وفتحت روت عينها بين اليقظة ولمنام وتساءلت أي أله في هذا الصيف الخالد ألقى وهو سائر هذا المنجل الذي صيغ من ذهب في الحقل الذي رصعته النجوم
فإن عبد الله بن المعتز قال قبل ذلك بعشرة قرون
انظر إلى حسن هلال بدا ... يهتك من أنواره الحندسا
كمنجل قد صيغ من فضة ... يحصد من زهر الدجى نرجسا
ولقد أطلت القول عن هذا العصر. لأنه أحسن العصور بالنسبة للشعر العربي حيث تجلى فيه جمال الشعر وإبداعه أكثر من كل عصر سواه. وثانياً لأن ذلك العصر الزاهر الأنوار أعقبه ليل بهيم كشف الظلمات مازلنا نتخبط في دياجيره إلى اليوم فلا تغيره إلا بعض نجوم قليلة تتألق فيه حيناً بعد آخر وبعض بروق تومض أحياناً ثم تختفي. أذكر ذلك العهد السعيد لأنه منذ زال رحل الشعر معه وانحط شأن الشعراء فالناس تجهل أقدارهم وتغمط أفضالهم وهم يتخبطون بين الحياة والموت.
وقبل أن أختم كلامي أقول كلمة عن مميزات الشعر العربي في كل عصر من العصور التي أشر إليها.
كان الشعر في العصر الجاهلي مرآة حقيقية تنعكس فيها أخلاق العرب وعاداتهم وأحوال معيشتهم. فكان الأعراب في ذلك الحين يضربون في الصحراء لا يستقرون على حال وهم