وفي عام ١٣٢ للهجرة حدث انقلاب جديد في العالم الإسلامي فإن أبا العباس ثار على الأمويين ونصره في ذلك أهل خراسان وفارس فتغلب عليهم ونزع الملك من بين أيديهم بعد أن نكل بهم تنكيلا وقد علا شأن الشعراء في عهد العباسيين من أول عهدهم إلى يوم زوال ملكهم حين استولى التتار على بغداد في عام ٦٥٦ للهجرة. فكان الشاعر نديم الأمير وسميره جليسه فإن الخلفاء العباسيين قربوهم إليهم واستصفوهم وبالغوافي أكرامهم مراعاة لأسباب سياسية لا طعماً في استعمالهم وسيلة لكسب قلوب المسلمين بل لأن جلهم كانوا من أهل العلم والأدب وكانوا لا يأنفون من قول الشعر.
وقد بلغ العرب في أيام العباسيين من العزة والسؤدد إلى غاية ما وراءها غاية وأدركوا أكبر نصيب في ميدان التقدم والنجاح. بل إن عهد الدولة العباسية كان العصر الذهبي للشعر وللشعراء أيضاً مدة خمسة قرون متوالية. ولم يعد الشاعر ذلك الكاهن القديم ذلك العهد قبائل وشيعاً بل كانوا أمة واحدة جمعت كلمتها وتمازجت عشائرها - من الوجهتين الدينية والاجتماعية - بل كان الشاعر صديق الأمير ومؤانسه ومسيره ورفيقه في ساعات لهوه وأوقات أنسه. فعلا شأنه وارتفع قدره ونبه ذكره وانهالت عليه النعم وكان الناس يجلونه ويخشون بأسه وسطوته ويحسدونه على ما هو فيه من نعيم.
وكان الشاعر عالماً أن الفضل فيما ناله من الحظوة والخير يرجع إلى إبداعه في فنه فكان يطلب المزيد كل يوم في الإجادة ويضرب في الإبداع بسهم أوفر حتى رق الشعر وسما وبلغ منزلة رفيعة لم يعرفها من قبل بل صار هيكلاً مقدساً لا تصل إليه النفوس العالية والقلوب الرقيقة الحساسة. تدخله خاشعة متهيبة تحاذر الزلل فيا له من عصر سعيد تحكم فيه الشعر في النفوس وملك الأفئدة ومهد السبيل لصاحبه ليصل إلى أرفع درجات الجد وأعلى ذرى السؤدد. كان الشعر يغنى عن الحسب والنسب ويغنى الشعر عن التفاخر بغيره من الفضائل الحربية أو المزايا السياسية. حتى أن شاعراً مدح أبا العباس مؤسس دولة العباسيين فولاه ولاية. بل إن المأمون فعل ذلك مع ابن الجهم جزاءً له على قوله بيتاً من الشعر أعجبه وأطربه.
بل هل جاءكم نبأ الخلفية هارون الرشيد الذي بلغ من إكرامه للعلم والآداب أنه صب الماء لأبي معاوية الضرير ليغسل يديه. أو ابنيه الأمين والمأمون اللذين تنازعا في أيهما يقدم