للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعلموا أولادهم الأمثال والشعر وكان الإمام علي ابن أبي طالب رابع الخلفاء من فطاحل الشعراء وأعلاهم كعباً في ميدان النظم.

ولما أمر الخليفة عثمان بن عفان بجمع القرآن من صدور الرجال ولم يكن قد جمع إلى عهده وتبين أنه يصعب تفسير بعض آياته وكلماته وإدخالها في أذهان الأمم الأجنبية كأهل مصر والشام وفارس الذين كانوا قد انتحلوا الإسلام وتألفت منهم غالبية أهله منذ القرن الأول للهجرة - رجع شارحوه ومفسروه إلى الأشعار القديمة للاستئناس بها والاستعانة بها على فهم ما أغلق عليهم من معاني بعض الألفاظ القرآنية متبعين في ذلك قول ابن عباس إذا قرأتم شيئاً في كتاب الله فلم تعرفوه - فاطلبوه - في أشعار العرب فكان ذلك مشاهداً على نهضة الشعر والعناية بأمره بعد إهماله زمناً فبدأت تعدون إليه بهجة الأزمان الخوالي رويداً إلى أن بلغ أعظم شأو في أيام الأمويين وارتفعت منزلة ارتفاعاً كبيراًَ.

وهناك أسباب سياسية دعت إلى هذا التغيير فإن موت الإمام على أوقع الفتنة في بلاد العرب فانقسموا إلى قسمين متناظرين حزب على وحزب معاوية. وعادت القبائل إلى التطاحن والقتال بعد أن كان الإسلام قد جمع بينها ووحد كلمتها ومحا الضغائن التي تأصلت في نفوسها قروناً فبعثت العادة القديمة من الرمس وسار كل شاعر في طليعة قومه يحرضهم على القتال ويبعث الحمية في نفوسهم متوسلاً إلى ذلك بتذكيرهم بوقائعهم الباهر وأفعالهم المجيدة. وكان معاوية داهية حصيف الرأي فعسى بجمع الوسائل إلى زيادة عدد أنصاره فأفلح في ضم معظم القبائل إلى جانبه بفضل دهائه وحكمته وسخائه وكان من بين الوسائل التي عمد إليها أنه أغدق هباته على الشعراء فقابلوا الجميل بمثله وألفوا القصائد في مدحه والتحدث بكرمه ومروءته فكان ذلك من أكبر الأسباب في ميل القلوب إليه وتمهيد أسباب النصر له. وسار خلفاء معاوية على نهجه ففتحوا أبوابهم للشعراء لاكتساب مودتهم من جهة ولأن بعض الأمراء كانوا مولعين بالشعر من جهة أخرى. فأزهر عصر الشعر وبلغ درجة لم يبلغها من قبل. ولكن الشعراء نسوا مقامهم القديم ومكانتهم الأولى ولم يدركوا قدر اللآليء التي كانوا يجودون بها فانحط مقامهم ونزل قدرهم. وبعد أن كان الشاعر في الجاهلية أمير قبيلة وسيد قومه أصبح في عهد الأمويين رجلاً من أولئك الذين تتألف منهم بطانات الأمراء. كل همه أن يستدر هباتهم وأن يتزلف إليهم وينال الحظوة لديهم.