للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في وضع أشعارهم القواعد والروابط التي وصفها شعراء الجاهلية فترى الشاعر يبدأ على الدوام ينصب المضارب والخيام ومنازل الأحباب كما كان يفعل شعراء العصر الجاهلي. ويطلب من صديقه أو من صديقته أن يقف معه ليبكيا معاً على الطلل والمنزل الذي كان مرتعاً للبهجة والأنس ثم هجره الصفاء وأصبحت ذكراه مصدراً للألم ومثاراً للأشجان. ثم ينتقل إلى التغزل بمحاسن المحبوبة والتفاخر بقومه وبشاعتهم وثباتهم في حومة الوغى ومكارمهم ثم يتخلص من ذلك ببيت يجب أن يكون غاية في الحسن والإبداع منتقلاً في تذكارات حبه وغرامه أن يرجعوا إلى المعاني القديمة والتخيلات البديعة التي سبقهم إليها سلفاؤهم مقتصرين على تغيير المبنى والتلاعب بالألفاظ وحسن السبك.

ثم جاء الإسلام فانصرف الناس عن الشعر زمناً فإن العرب وجدوا في القرآن ما تصبوا إليه نفوسهم من جيد القول. وجاءهم الكتاب المنزل بصورة جديدة من صور الكتابة لم يألفوها من قبل فلاهي بنثر ولا هي بنظم بل هي شيء أعلى من ذلك جاءهم بصورة إلهية سامية لا يعرف الواصف يصفها جلبت ألبابهم ولعبت بعقولهم وهم الذين رضعوا الفصاحة من ثدي امهاتهم وتربوا على البلاغة من مهادهم وعغرفوا غث الكلام من سمينه فاسركتهم هذه البلاغة العالية الخالدة وهذه الكلم الجوامع. وذهب المفسرون بعد ذلك إلى أن القرآن هو غاية الإعجاز في باب البلاغة والبيان وإلى أن الملائكة والناس يعجزون عن الاتيان بآية من آياته.

وقد نشأ من ذلك أن الشاعر سقط من شاهق مجده ولم تعد له نتلك المكانة الرفيعة التي كانت له في سالف الأزمان لم يعد ذلك الكاهن القديم والمدافع عن قبيلته وحامي حمى قومه بل تغير رأي الناس فيه وصاروا ينظرون إليه شزراً. وزاد الطين بلة أن بعضهم ذهبوا - أن صواباً وأن خطأ - إلى أن الرسول يكره الشعر، والشعراء واستدلوا على ذلك ببعض كلمات وردت في موضعين أو ثلاثة من القرآن يمكن تفسيرها بأنها لوم لبعض الشعراء أضف إلى ذلك أن الحماسة الدينية بلغت أشدها عند ظهور الإسلام فانصرفت الأذهان عن الأشعار والفنون واشتغلت بطبيعة الحال وبحكم الانقلاب الجديد بالبحث في أصول دينهم وأحكامه وتفاسيره وبالغزو والجهاد لنضر الدعوة إلى الإسلام. على أن الشعر رغماً من ذلك لم يمت تماماً فإن عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين أشار على المسلمين بأن