بيان مميزات الشعر العربي في أهم العصور في تاريخ العرب.
كان الشاعر في الجاهلية مهيباً موقراً يحيط به الإجلال وحف به الإكرام. فإنه كان عميد القبيلة وحامي ذمارها وراوي تاريخها والحافظ لأنسابها والمتغني بذكر مجدها فهو بهذا الاعتبار كان قريب الشبه بالكهنة في التاريخ القديم.
فهو الذي كان يفتخر بأجداده وبالوقائع والغزوات التي امتاز فيها قبيلة بالبسالة والأقدام وشدة البطش فيحفظ بذلك ذكرها في أبيات من الشعر لأن الأشعار هي الأثر الوحيد الباقي في تاريخ العرب والوسيلة الوحيدة لمعرفة أحوالهم وتاريخهم. وهو الذي كان يهجو أعداء عشيرته ويدفع السباب بمثله. وكثيراً ما كانت كلمة عذبة حلوة من شاعر مجيد تسكن ثائر العداوات وتطفئ نار الخصومات كما أنه ما كانت كلمة منه تستفز بغضاء القبائل وتشعل نار الحرب بينها.
ومن البديهي أن أمة هذه حالها وهذه طبائعها كانت تقابل ظهور شاعر بين ظهرانيها بالفرح والابتهاج وتعتبر شهرته من الحوادث ذات البال. فكانت القبائل الموالية للقبيلة التي نبغ فيها شاعر تقدم إليها زرافات لمشاركتها في إعلان أفراحها فتقام الولائم وتنحر الذبائح وتوزع الأرزاق وتعلو أصوات النساء ويتسارع الأطفال إلى تقبيل طرف ثوب بطل الاحتفال عسى ربة الشعر توحي إليهم في مستقبل الأيام ما أوحته إليه.
وكان العرب في كل يوم ينصرون عن القتال وتبطل بينهم الحروب ويتهادنون لأيام معدودة ويغدون من كل فج سحيق من امرأة وعلماء وتجار وشعراء إلى حيث يجتمعون في عكاظ يتفاخرون بالشعر ويتبارون في الإبداع فيه. وكان يضرب لذلك فسطاط فخم ويتولى الحكم بين المتسابقين أبعد الشعراء شهرة وأعلاهم كعباً فكان يسمع ما يتلى بين يديه من القصائد ثم يبدي حكمه. وتكتب أجمل القصائد على نسيج من الكتان أو ورقة من أوراق البدي وتعلق ف يالكعبة ومن هذا أطلق عليها اسم المعلقات وعددها سبع وهي من أمتن الشعر وأحسنه بل إن المعلقات - وشعر الجاهلية عامة - هي المثال الذي مازال الشعراء ينسجون على منواله وينسجون نحوه إلى اليوم إلا في ما ندر من الأحوال تناقلها الناطقون بالضاد جيلاً بعد جيل وتغنوا بها وحفظوها وحاول شعراؤهم على ممر الأزمان يتحدوها في معانيها ومبانيها وتصوارت واصفيها وخيالاتهم. وما زال الشعراء إلى زماننا يتبعون