وكان يلتف حول الشعراء في العادة جماعة من مريديه وتلاميذه فيحفظون ما يلقيه من الأشعار ويتناقلونها عنه وينشدونها أمام الأمراء أو المجاهدين السائرين إلى البلاد أو بين الجماعات مراعاة لمقتضى الحال متبعاً لما إذا كان الغرض من القصيدة المديح أو الفخر أو الغزل أو الحكمة ثم تلا ذلك العصر كان الحفاظ أو الرواة يستظهرون عدة قصائد من فحول الشعراء مدفوعين إلى ذلك بعامل الإعجاب والتغني بها والمقارنة بينهما. وقد كان هؤلاء الحفاظ هم الوسيلة الوحيدة لبقاء هذه الأشعار وتناقلها بالتواتر من جيل إلى جيل. ولكن عدداً عظيماً منهم لقي حتفه في الحروب التي قامت في صدر الإسلام فنزل معهم إلى القبر جزء عظيم من الأبيات البديعة التي كانت تحويها صدورهم والتي كانت مفخرة العرب فلم يعد أحد يتناقلها بعدهم.
ولم ينبته أحد إلى تدوين قصائد كبار شعراء الجاهلية في بطون الكتب لحفظها من الضياع إلا في آخر القرن الأول من الهجرة وعمدوا في هذا السبيل إلى جمعها من صدور كبار الرواة الذين كانوا يستظهرون الكثير منها كحماد الذي كان يحفظ سبعة وعشرين ألف بيت من أشعار الجاهلية كل ألف منها تبدأ بحرف من الحروف الهجائية وكالمفضل الضبي وخلف الأحمر وأبو ضمضم الذي كان ينشد أشعاراً لمائة شعر باسم عمرو وكأبي تمام واضع كتاب الحماسة الذي كان يحفظ على ظهر قلبه أربعة عشر ألف بيت من الشعر كلها لفحول شعراء الجاهلية.
أما الأشعار التي قيلت لعد الإسلام فقد ضاع منها عدد عظيم بسبب الفتن والحروب التي قامت بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم من الأمم في جميع لأزمان وفي جميع البلاد التي خضعت للإسلام ويكفي لمعرفة ما ضاع منها أن نلقي نظرة على مؤلفات بعض أكابر الكتاب التي هي أسبه بالفهارس لالتزامها جانب الإيجاز لنتبين منها أسماء الذين عاصورهم من الشعراء وما ألف في فنون النظم ثم نتساءل ما الذي بقي من كل ذلك لم يبق إلا النزر اليسير الذي لا ينكر ولكن هذا النزر اليسير يكفي لرفع شأن أمة واحدة وهو يدل على مقدار نبوغ العرب في حلبة النظم وعلى ما كان لكبار الشعراء لديهم من المنزلة السامية والمقام الرفيع.
ويجرنا هذا الحديث إلى البحث في منزلة الشعراء في العالم العربي ثم إلى ذكر كلمة في