بعبارة منسجمة تجمع إلى الطلاوة متانة وهاك نموذجاً مما قال في اختلاف المذاهب:
كره الشارع التفريق في الآراء وندب الأمة إلى الوفاق بقدر ما يمكنها ولكنه يعلم أن تماسكهم وسيرهم في جميع الأحكام على مذهب واحد غير ميسر لهم فإذن لهم بعد بذلهم الوسع في انفاق الرأي أن يأخذ كل طائفة بما استقرب عليه أفهامهم ولا يضرهم متى تمكنوا في صناعة تقرير الأحكام واستوفوا شروطها أن لا يصيبوا وجه الحق في الواقع قال صلى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر وأطلق الشارع للعقل عنانها في الاجتهاد ليفتح لها المجال في النظر ويربيها على مبدأ الاستقلال بالرأي حتى لا يستولي عليها التقليد من جميع جهاتها فيتخللها الجمود ويصلح الفرق بينها وبين العقول المتصرفة كالفرق بين الماء الراكد في حماءٍ والماء المنهمر على الصفا لا يمازجه كدر.
ومن شعر بهذه الحكمة لا يمكنه الغض من جانب علماؤ الإسلام حيث أفضى بهم الاجتهاد إلى الاختلاف بل هذا مما يجر إلى الاعتراف بمزيتهم ويبرهن على أنهم نشأوا على مبدأ البحث واستقلال الفكر ولو أنهم كانوا بعقول خامدة وإرادة ميتة لاتبعوا ما يفتي به أول فقيه منهم وتسلموه بتقليد.
وبعد أن أبان الوجوه المتعددة التي تدعو المجتهدين إلى الخلاف قال: ولو أن أهب الإسلام استمروا على تأليف الجمعيات العلمية لتحرير أحكام الحوادث واستخلاص الحقيقة من الآراء المتلاقية لا لتأمت عدة خلافات حقيقية وسقطت أقوال كثيرة من حساب مسائل الخلاف وقد كان للسلف اهتمام بجمع العلماء في المسائل المشكلة فقد نقل الحافظ ابن عبد البر عن المسبب بن رافع أنه جاء الشيء من القضاء ليس في الكتاب ولا في السنة رفع إلى الأمراء فجمعوا له أهل العلم فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق أه.