جعلت نصب عيني مسألتين أن أخرج من هذا المأزق واسمي طاهر لم يدنس وأن لا أطمع بحال من الأحوال في أن أترك من بعدي الطوفان بدون ذمة ولا قلب.
قاتلت رومانيا في بلافنا أي في الحرب الروسية العثمانية فظنت أنها بذلك تساعدها أوربا على استقلالها بتاتاً ولكن لم يكتب لها ذلك إلا سنة ١٨٧٨ على شرط تجنيس الإسرائيليين فيها بالجنسية الرومانية وإصلاح بعض مواد من قانونها الأساسي وفي ٢٥ أيار ١٨٨١ نودي بشارل الأول ملكاً على رومانيا أي صار مستقلاً عن وصاية أية حكومة له ولبلاده فكان أكبر همه أن يحسن موارد بلاده الاقتصادية ويعلم أمته ما يخرجها من الظلمات إلى النور فنشط التعليم العام ونشر اللغة الرومانية وحرر الكنيسة من الخضوع لغيرها واعترفت لها بطريركية الفنار سنة ١٨٨٥ باستقلالها ثم أنشأ الخطوط الحديدية وابتاعتها الحكومة كلها وحسن الصناعة وعني عناية خاصة بترقية الزراعة وحدد الديون العمومية قام بذلك عقيب أن بويع له بالملك وذلك في دور كثرت فيه الاضطرابات والدسائس السياسية وتعدى العمال أطوارهم ولكن نفوذ الملك قد عدل من تكالب الأحزاب فانقلب تطاحنها إلى مناقشات لطيفة وتحسنت الأخلاق وتدمثت وكان الموظفون قديماً يبدلون عند كل تغيير في الحكومة فأصبحوا بعدها أمناء على مراكزهم وأصبح لهم استقلال وطمأنينة فكان من تثبيت أقدام الموظفين في وظائفهم والمثابرة على الأوضاع على وتيرة واحدة بإنقاذها من المؤثرات السياسية أعظم واسطة لإحياء البلاد حياة طيبة باقية.
ومملكة هذا حالها وعملها قام بها ملك هو جندي وله أخلاق الجند من فطرته وله جيش قوي من ورائه مالية ناجحة لا تستطيع أن تسكت على ما ناله الحلفاء البلقانيون من المغانم وافتتحوه من الأراضي فأخذ الشعب يطلب حصته من المغنم في البلقان في حربها الأخيرة وكانت كلمة مليكهم حاجزاً دون التدهور فأبدت رومانيا طرفاً من التهديد فيما إذا تغيرت خريطة البلقان لأن في توسع البلغار في بلادها تهديداً لرومانيا فطلبت رومانيا إقليم سلستريا من البلغار فأبدت حكومتهم كبراً وعتواً وصرح رئيس مجلس بلغاريا أن أمته لا ترضى بالتخلي عن سلستريا فقال له ملك رومانيا لقد وقع لي في مدة حكمي أربعين سنة إن كنت أسير خلافاً للرأي العام أحياناً لأني كنت أرى في ذلك مصلحة بلادي فعلى رجال السياسة أن يعرفوا في بعض الأوقات كيف يعزمون عزماً ضرورياً يخالفون فيه شعور