طربهم بما خصت به جبال الألب من المحاسن التي تخلب الألباب.
اشتهر السويسريون منذ عهد غليوم تل أنهم في مقدمة الرماة في أوروبا لأن بلادهم تستلزم ذلك ولا تكون حربها بالنظر إلى جبالها إلا مناوشة وكميناً فترى في كل قرية جمعية للرمي وتقام له الأعياد وكل سويسري في سن العسكرية فلاحاً كان أو ساكن المدينة يصرف مع رفقته يوم الأحد ساعات طويلة في التدرب على الرماية وفي كل بيت بندقية أو عدة بنادق لشبان سويسرا يعدونها ليدفعوا بها عن أنفسهم وبلادهم كأنهم لا يزالون في عهد الإقطاعات يكلف فيها كل واحد بحماية نفسه وأسرته ولكن هذا شأن الأمة المسلحة بسلاحين سلاح القوة المادية وسلاح القوة المعنوية العلمية التي لم تكن في القرون الوسطى.
ضباطهم يخرجون من الجيش مباشرة ثم يتعلمون التعليم الحربي وأكثره عملي في الغالب وهم في الأكثر من أبناء الفلاحين يعاشرون الأفراد ويواكلونهم وطعام الجنود من أحسن ما يعهد لهم مطابخ تنتقل معهم في المناورات فتراهم في كل وقت يتناولون الطعام الصحي الفاخر الذي لا يوجد إلا في المدن وفي حال التوطن والرفاهية وجنديهم يقبض كل يوم ٨٠ سنتيماً في المشاة وفرنكاً في الفرسان وهو أحسن راتب يقبضه جندي في جميع أمم أوروبا لأن هذه عجزت عن إطعامهم وإلباسهم لكثرتهم بدون فائدة دع إدرار النفقة عليهم ولا يبتعد عن أهله من الجند إلا من دخل في جيش الفرسان فالسويسري سعيد في كل حال من أحواله مرتب في حله وترحاله ممتع باستقلاله ناهض في عامة أعماله ولذلك لا تراه يشكو شيئاً على نحو ما يشكو ابن البلاد الراقية الأخرى الذي يرزح تحت أثقال المغارم والمظالم لينفق على بحريته وبريته قال لي كثيرون نحن سعداء في بلادنا فكنت أقول لهم بارك الله بسعادتكم التي أحرزتموها بجدكم ورزق شرقنا المسكين بعض ما أنتم فيه إنه كريم جواد.
سويسرا المذاهب والقوميات واللغات
الدين واللسان من جملة المظاهر المهمة التي تدل على روح شعب وقد كان لهما في الأرض السويسرية بفضل التسامح والاتحاد ومراعاة حرية الغير مشاكل في الماضي ولكنها اليوم قد انحلت صعوباتها وتعبدت عقباتها وكان الدين ثم اللسان شعار الوطن الأصغر ثم امتزج أهل كل دين وأهل كل لسان امتزاجاً في البلاد فلم ينشأ في سويسرا مشاكل تذكر كما نشأ في بعض البلاد التي تنازعتها البرتستانتية والكاثوليكية أو