الإسبانية منذ بضع سنين وجهروا بأن نابليون على ما اشتهر عنه من القوة والمضاء قد جبن عن اكتساح أميركا وإدارة دفة مطامعه نحوها. ومن العبث أن يقال أن أمة ولو كان زعيمها قيصراً أو الاسكندر تفتح العالم اليوم بعد أن بلغ الثمانية أو العشرة شعوب في الأرض ما بلغوه من التمدن والتبسط في مناحي الارتقاء وأن ينقسم العالم كما كان على عهد الرومانيين إلى ولايات وقنصليات. ولو وقف الأمر عند هذه الحال لكان الخطر على العالم قليلاً من النهضة الأميركية لكن الولايات المتحدة لا تفتأ عند مسيس الحاجة أن تطيل يد التعدي على خصيماتها من الأمم وتستلب منها ما تريده من مرافئ ومراقب وقلاع ترصد بها طرق تجارة العالم. وأخذ مانيلا هو أول خطوة في هذا السبيل الطويل.
أما فتحت إنكلترا على هذا النحو جبل طارق ومالطة والسويس وكلكتا وملبورن ورأس الرجاء الصالح؟ أما أميركا فتطمح إلى أن تجعل لها مقاماً في شؤون سياسة العالم لاعتقادها بعلو كعبها وفضل تقدمها على نحو ما فعلت النمسا قديماً في أوربا وكما كان شأن فرنسا عندما نجحت سياسة ريشيليو ومازارين. وبعد أن صرح الرئيس روزفلت عام ١٩٠٣ بأن للولايات المتحدة حق التقدم الاقتصادي على البحر المحيط ومنه على العالم عاد يقول في السنة التالية من الخطأ أن يعتقد معتقد بأن أمته ظامئة إلى الفتح والاستعمار فإنه ما من أمة تخشى بأس الولايات المتحدة إذا حافظت على الراحة وقامت بوظائفها وأبانت أنها تحسن العمل في المواد السياسية والصناعية ولكن سوء الاستعمال البربري الدائم والضعف الناتج من التراخي في عامة صلات مجمع متمدن هو مما يؤدي إلى تداخل أمة متمدنة. قال هذا وهو الدليل على ما تكنه صدور تلك الأمة من المرامي البعيدة. وتداخل أميركا في شؤون يهود رومانيا ونصارى أرمينية ويهود كيشنيف بحجة الإنسانية أثر من آثار التجارب الأولى التي تريد القيام بها لتجس نبض العالم وتقدر مبلغ قوتها. وهذا تحين للفرص ما جرى مثله لألمانيا القديمة والنمسا وإسبانيا وفرنسا أيام العزة والقوة.
جرت إنكلترا على حرية المقايضة في التجارة فكان لها التقدم في أسواق التجارة في العالم أما فرنسا فقد مشت على طريقة التعريفتين في تقاضي المكوس والجمارك منذ سنة ١٨٩٢ وفي تلك السنة مشت ألمانيا على طريقة حماية التجارة على نسق أشد من نسق فرنسا وسنة ١٨٩٩ رفعت إيطاليا تعرفة جماركها وسنة ١٨٩٩ عملت إسبانيا كذلك وسنة ١٨٩٨