مناهل يردونها وخزائن يوزعون فيها كنوز أموالهم. وأنت ترى بهذا أن النهضة الأميركية كالنهضة الإنكليزية قائمة على أساس اقتصادي مغموس بحب المصلحة حتى قال أحدهم: أن سياسة التوسع الأميركية ليست في الحقيقة إلا مثالاً من أمثلة الأنانية المتوحشة التي تمليها المطامع والآمال المستحكمة في عقول شعب وجه جميع قواه الحية نحو تنمية الثروة والعروض المادية أحسن تنمية والأخذ بضبع الراحة والتبسط في مناحي الرفاهية والسعادة.
ومعلوم أن التجارة تابعة للعلم فحيثما خفق علم دولة تتحسن تجارة أبنائها. والروح الأميركية معجونة بالكبرياء طامعة بالغلبة والاستيلاء مطبوعة على الحماس والإدلال بالقوة التي تنبهت وسلكت مسلكها الطبيعي العادي بفضل مبدأ مونرو. قال الفيلسوف اميرسون الأمريكي أن الروح العامة حاضرة في كل شيء لا تعمل فيه إلا للخير والحسن ويكفي أن يقوم كل منا على قدم الصدق بما خلق له حتى تسود الألفة في العالم. وقد اتخذ هذا الحكيم المرء صورة رمزية وأكد عليه أن يعتقد بفكره ويثق بقوته ويعجب بنفسه. وهذه هي القاعدة المطردة التي انصبغ بها أبناء الأميركان وطبعوا نفوسهم عليها. ولذا أصبح كل تغلب عند الأميركان جهاداً مقدساً كما كان قديماً عند المسلمين ونفذت النهضة في عظم الأمة وجبل عليا لحمها.
زادت حركة الأفكار في العالم أواخر القرن التاسع عشر فأنشأت الأمم تجتهد في اظبان ملكاتها وما انطوت عليه من الرغبات والآراء. ويقال أنهم يحاذرن ارتباطاً هائلاً ينبغي لكل منها أن تتوقاه. فكانت نتيجة ذلك عند الأمم القوية اتخاذ سياسة عدائية في توطيد السلطة ونشر الكلمة وهذا هو معنى النهضة التي تجد أثراً من آثارها في روسيا وألمانيا وتراها على أشدها في إنكلترا والولايات المتحدة أما الأمم الضعيفة فكانت النتيجة عندها أن دافعت عن حوزتها بحد المرهفات ووقفت أبداً على رد الغارات والهجمات وهذه هي الوطنية. فإيطاليا وفرنسا خصوصاً قد أحستا بهذا النفوذ والمبدأ الذي جمعت فيه الولايات المتحدة بين الهجوم والدفاع وعاشت في ظله طامحة أن تجمع في البيت الأبيض (قصر رئيس جمهوريتها) زمام حكم العالم على نحو ما كانت رومية قديماً تجمع في قصر قياصرتها. هو مبدأ مونرو القائل أميركا للأميركيين بل أميركا لكان الشمال من أهلها فصح والأمر على ما ذكر أن تقول بعده العالم للولايات المتحدة كلمة رددتها صحفهم في الحرب