حسن في الأرياف يريد أن يتعرف إلى فتاة في الخامسة والعشرين إلى الثلاثين ويؤثر أن تكون مسيحية ومعودة النظام ويقبل بأن تكون حاملة شيئاً من النقود وأنه رزين لا يفشي سراً وإذا أرسلت إليه الصورة الفوتوغرافية يعيدها في الحال والرجاء أن يكتب في ذلك بنمرة كذا لإدارة جريدة لوزان. والقوم هنا لا يكتفون بتعليق إعلاناتهم على الحوائط والمركبات في السكك الحديدية والكهربائية وعجلات النقل وفي الصحف والمنشورات والكراسات وعلى الأبواب والنوافذ ورؤوس الأبنية بل إن التاجر يعلن عن محله حتى في الورق الذي يصر به لك قميصاً أو بدلة أو كتاباً أو حذاءً أو منديلاً أو ورقاً أو أي شيء تبتاعه بل إن الخيط الذي يربط به الاضبارة أو الرزمة قد كتب عليه أسم محله وما فيه وهكذا في جميع ما يخطر ببال.
وتعتقد جميع المحال التجارية والشركات الصناعية والمدارس وغيرها أنها إذا لم تكثر من الإعلان عنها يتناساها الناس وتقل أرباحها وهذه لوزان لولا ما تفنن أهلها في الإعلان ما أصبحت عاصمة العلم في سويسرا الفرنساوية وبلغ طلبة كليتها ألفاً وأربعمائة منهم نحو ألف غريب من غير السويسريين وهكذا المدارس الخاصة التي يعيش بالتعلم فيها أناس لا يستقل بعددهم ومنها ما يدرس فن تدبير المنزل وآخر الفنون الجميلة وغيرها التجارة وبعضها اللغات وبعضها الألعاب الرياضية إلى آخر ما تفننوا فيه فجاء الغريب يستفيد منه فكان للوزان فصلان فصل الصيف يكثر فيه السائحون للنزهة وفصل الشتاء يكون خاصاً بالطلاب والمتعلمين ويستفيد من ذلك أهل البلاد مئات الألوف من الليرات.
وبلغ من تفنن القوم بالإعلانات أن أحدهم ألف كتاباً في فن الطبخ فكسد كساد بضاعة العلم في بلاد العرب ففكر فلم يجد أحسن من أن يعلن أن الفتاة التي تراجعه مرسلة إليه ثلاثة فرنكات يقدم لها خير نصيحة قبل زواجها تكفيها غوائل الدهر وحوادث الأيام فكان يبعث لكل مرسلة بالمبلغ المطلوب بنسخة من كتابه ويقول لها تعلمي هذا فباع من كتابه ثلاثة ألاف نسخة. وكتب بعضهم إذا أردت أن تغتني فأعمل عملي وأنا لا أعلمك ما عملت إلا إذا بعثت بكذا فرنك حوالة. فكان جواب هذا الشاطر لمن طلب إليه النصيحة أن يقول له أعما عملي فتغتني لا أي أكتب في إعلانك كما كتبت وهناك المال يقبض عليك. ولكن هذه الطرق نادرة جداً والصدق هو الغالب على الإعلانات كما قلنا ولذلك اعتمد الناس عليها