الألمانية رفيقة الانكليزية فهي في الثالثة والعشرين وحالها أيضاً حال رفيقتها تعلم الألمانية وتتعلم الافرنسية وتزيد عليها بان تعطي دروساً خارج المدرسة وأهلها أصحاب يسار في الجملة ولكنها تحتاج لتعلم الافرنسية وهذه هي الواسطة التي رأت إن تعمد إليها في إتقان لغة هوغو وموسيه لتضمها في صدرها إلى لغة كيتي وشيلر.
أما الرابعة وهي ألمانية سويسرية فحالها أدهش من حال الثلاث وذلك لان والدها صاحب مخزنين في لوسرن وانترلاكون لو حسب ما يملكه على حساب بلادنا لعدد من الأغنياء عندنا على انه لا يعد في المحاويج بل المتوسطين هنا فأراد إن يعلم ابنه وابنته الافرنسية لمسيس الحاجة إليها في تجارته وحتى يكونا على أتم الاستعداد لتلقي مصاعب الحياة فجاء بالوالد وهو في السابعة عشرة يجعله في نزل في ارباض لوزان خادماً يأكل وينام ويتناول راتباً قليلاً ويتعلم الافرنسية ويتمرن عليها بالعمل وكان تعلم مبادئها بالنظر في المدرسة وشقيقه هذا الفتى في التاسعة عشرة من عمرها شأن شقيقها تحب إن تتعلم الافرنسية وتدبير المنزل وتعيش مستقلة فجعلها أبوها خادمة براتب٢٥ فرنكاً في الشهر في النزل الذي نحن فيه وهي وحدها تتولى جميع أعمال المنزل إلا ملاحظة الطبخ فان صاحبة الدار تنظر فيه بنفسها فترى تلك الفتاة من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ليلاً تعمل بكد لم أر مثله وتقوم بجميع أنواع الخدمة على صورة مدهشة فبينما تراها تكنس بضع غرف في الدار وترتب فرشها وتصلح أدواتها الكثيرة أو تفرك الدهليز والممشى والزجاج والدرفات والأبواب إذا هي تتعهد المطبخ أو تخرج كالبرق في جلب حاجة من السوق أو تقدم الطعام على المائدة وترتب السفرة أو تجلو الطباق والصحون أو غير ذلك مما يكثر عدده في البيوت الأوربية تعمل كل ذلك ومنه الشاق الوسخ ومع هذا لا تراها إلا باسمة في حين حرمت من رفاهيتها في دار أبيها وعند الخادمات والخدمة.
هذا مثال ما رأيته بالذات من أمثلة التربية الاستقلالية في البنات هنا وبعدها هل يعجب المرء من غنى هؤلاء الأوربيين بعد أن عدوا كل عمل شريفاً اللهم إلا ما يثلم العرض ويعبث بالمروءة وهذا لا تكاد تخلو منه أمة مهما أدعت أنها أمة أخلاق وتدين وشرف.
كل فتاة من هاته الفتيات وفرت على أهلها بعملها مئة أو مئة وخمسين ليرة في السنة وربحت التعلم العملي والتدرب على الحياة الاقتصادية الاستقلالية فبالله عليك