للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما اقبلنا على طاق كسرى إلا واستقبلنا فلاة مقفرة قاحلة فكنا نمر الساعة والساعتين فلا تقع الأنظار إلا على خرائب طامسة وإطلال دراسة أكل الدهر عليها وشرب ولكن ما فيها من نفيس الآثار كالتلال والروابي التي انبثت فيها التصاوير والرسوم ينطق بلسان فصيح بما كان لهذه المواطن من عظيم الشأن ورفيع المقام في قديم الزمان، ولما لاحت لنا عن كثب بقايا طاق كسرى انوشروان فخر الدولة الساسانية وإطلال إيوانه المشهور سكبت منا العبرات وتصاعدت من أنفاسنا الزفرات إلى السماء حزناً على ما كانت عليه هذه اليدار من الحضارة والعمران فتقلبت عليها الأزمان ونزلها من لا يصلح ولا تصلح له، وأنشدنا قول الشاعر العربي:

امست خلاء وأمسى أهلها ارتحلوا ... اخنى عليها الذي اخنى على لبد

لطاق كسرى هذا شأن خطير في تاريخ العراق القديم وهو من الآثار الجليلة التي تمثل للاعصرة المتأخرة عظمة الفرس وضخامة تمدنهم وعلو كعب دولتهم في الحضارة والمدنية، وقد أفاض المؤرخون من المتقدمين والمحدثين في وصف هذا الإيوان العظيم الذي تصدر فيه كسرى العادل ويعتبر مؤرخو العرب أن له مسيساً بتاريخ عرب المناذرة في الحيرة لا تصالهم بدولة الفرس، وممن كتب عنه ابن الأثير المؤلف المشهور قال في الكامل:. . . وهو - يعني الإيوان - مبني بالآجر وهو على مرتفع من الأرض طوله ١٥٠ ذراعاً في عرض مثلها وأمامه ميدان طوله ٨٠ ذراعاً في ٢٥ وقيل سعة الإيوان من ركنه إلى ركنه ٩٠ ذراعاً. . وكان فيه من التماثيل والصور شيء كثير من جملتها صورة كسرى انوشروان وقيصر ملك إنطاكية وهو يحاصرها ويحاربها فلما فتحت المدائن سنة ١٦ هجرية على يد سعد بن عبادة ترك ما فيه من التماثيل واتخذه مصلى وصلى فيه صلوة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينها وقيل أن المسلمين احرقوه بعد ذلك بقليل

هذا ما قاله ابن الأثير وهو من رجال القرن السابع للهجرة غير أن ما جاء في كلامه ليس إلا وصف الإيوان على عهد الفتح الإسلامي ولم يشر إلى حالته في عصره وجاء ذكر هذا الإيوان عرضاً في مقدمة تاريخ بغداد للخطيب البغداجي قال المدائن لكثرة ما بنى بها الملوك والأكاسرة واثروا فيها من الآثار. . . وتسمى المدينة الشرقية العتيقة وفيها القصر الأبيض القديم. وتتصل به المدينة التي كانت الملوك تنزل بها وفيها الإيوان ويعرف