للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بتجارة الأصباغ. وما من بلد يعني بتجديد إدارته على الدوام لتكون كاملة من كل وجه على احدث طرز كما يعني في ألمانيا. وإلقاء أدنى نظرة على محطة من محطات يككهم الحديدة تشهد لهم بذلك الخ.

ثم انتبه الانكليز والأميركان والطليان للأمر ولكن بعد أن رسخ التمدن الفرنساوي في النفوس وكثر أنصاره بطبيعة الحال مع انه ربما كان في أوضاع الأمم الأخرى ما يماثله أو يفوقه. وإذ قبلت مصر والعثمانية وإيران أن تعلم الافرنسية بصفة إجبارية في مدارسها مثل لغة البلاد كان ذلك من اكبر المعونات على بث هذه اللغة البديعة فاتخذناها لغة التخاطب والتكاتب في التجارة والسياسة.

للبلاد المصرية والعثمانية والإيرانية في البلاد الفرنسوية اليوم مئات من الطلبة يدرسون العلوم المنوعة في مدارسها في حين لا تجد سوى عدد محدود من الطالبين في مدارس انكلترا وأميركا وأكثرهم من المصريين والهنود أما في ألمانيا والنمسا وايطاليا وروسيا فان عددهم يعد على الأنامل والإيرانيون أكثر الشرقيين اختلافاًَ إلى مدارس روسيا للجوار والسياسة.

فإذا طربت النفس يود دخولها ارض فرنسا وسويسرا الفرنسوية وبلجيكا الفرنساوية فذلك لأننا نشعر بأننا بين قوم يفهمون من نحن ونفهم من هم أننا نستفيد هنا إضعاف استفادتنا في أي ارض سواها لأننا لا نجد تقارباً في الأفكار والمناحي ولأننا نعرف تاريخ هذه البلاد كما نعرف تاريخ بلادنا وقد حصلت لنا على الزمن آنسة بأوضاعها المرنة اللطيفة ومن تعلم لغة قوم قلت ما بينه وبينهم من الفوارق وتيسر له أن يشاركهم ويشاركونه في كل ما لا يضر بعاداته وأخلاقه الخاصة.

أن المدينة الأوربية تتسرب كل يوم إلى عقولنا في طرق تنقلها الصحف والسياح والمدارس والجيش والأسطول بل ينقلها البرق والهواء ونحن لو أردت أن تجردنا مما استفدناه منها منذ عهد محمد علي الكبير وسليم الثالث لرجعت بنا قروناً إلى الوراء ظننتنا نعها من أهل القرن السابع أو الثامن للهجرة على نحو ما تشاهده اليوم الأفغانيين أو المراكشيين أو الجلويين بين الذين سدلوا دون مدينة الغرب حجاباً كثيفاً فحرموا من حسناتها ولم ينجو مثل غيرهم من شرورها.