أن سكان الشرق الأقرب إذ ذكروا الفرنسيس كثيراً فذلك لأنهم يعتقدون فرنسا فاتحة العالم على نحذو ما كانت على عهد نابليون الأول ففرنسا هي التي وضعت في الحقيقة أساس النهضة المصرية الحديثة وفرنسا هي التي كانت كذلك في سورية منذ جاء نابليون عكا طعاماً في فتحها لأنها كانت مفتاح سورية حتى إذا جاءت حادثة الستين المشؤمة. وكان لفرنسا اليد الطولى في إعطاء لبنان استقلالاً إدارياً عظمت تلك المنة على أهلها وعمت المدينة الافرنسية بلاد الشام من طرق مختلفة خاصة وعامة وطينة وأجنبية رسمية وغير رسمية.
نحن اليوم إذا لجانا إلى فرنسا في معظم حالاتنا فللأثر الناتج من تلك التربية والدعوة الطويلة المتأصلة ولا يضرنا الأخذ من مدينة القوم ولكن يضرنا العلو والجمود فكما أن الفرنسيس أنفسهم لا يستنكفون أن يقتبسوا ما عند الأمم الأخرى كالانكليز والألمان والأميركان مثلاً مما ليس في أوضاعهم فنحن من مصلحتنا أن لا نكون حكرة لأمة فنأخذ عن كل قبيل أحسن ما عندهم ولا نقول هذا سويسري وذاك بلجيكي وهذا فرنسوي وآخر ألماني وغيره ايطالي أو انكليزي فكلهم أرقى منا مراحل ونحن في حاجة لكن من يعلمنا مدينة تنهض بنا من خمولنا ليساوا بنا بنفسه بعد وتعد شيئاً مذكوراً في سلسلة المراتب البشرية.
رأيت كثيراً من خاصة الطليان والألمان والانكليز يشيرون إلى أن السوريين خاصة من بين سكان الشرق الأدنى يغالون بحب الفرنسيس وليس حتى في البلاد التي حكمتها فرنسا في أقطار الشرق بلد كسورية يحسن أهلها الظن بالفرنسيس فكنت أقول لهم أن ذلك صحيح ولكن لا على إطلاقه فان القوم هناك درجات ومن يحبون الفرنسيس هم الذين أحسن هؤلاء إليهم بتعليمهم على أساليبهم وتلقينهم لغتهم العذبة فأممكم أيضاً إذ مدت يدها لسورية تعلمها لغاتها وأمجادها يعترف السوريون لها بصنيعها ويصبحون زبنها في التجارة. وكيف يحب السوري ألمانيا مثلاً وهو لا يعرف عنها إلا ما يقرأه في الجرائد الفرنسية والكتب الافرنسية وألمانيا حتى الآن لم تفتح لها مدرسة راقية في سورية والفرنسيس ملأ وأسهلنا ووعرنا بمدارسهم الدينية والعلمانية على اختلاف درجاتها لا ينال المرء إلا بقدر ما بذل والأمم الانكلوسكسونية هي أرقى الأمم بأخلاقها وآدابها ولكن أنانيتها الكثيرة دعتها إلى أن