هذه أمثلة ثلاثة من أطوار الأسرة الأوروبية تمثل أطوار تلك الأمم أما تحليل أجزاء تلك التربية ومادة تلك النفوس الكبيرة فيحتاج لمعمل كيماوي كبير يحشر إليه علماء التربية من أجدادنا والمحدثين من أهل الغرب ليقولوا لنا خلاصة تحلياهم لمادة الحياة الأوروبية النامية والعبرة بالكيفية لا بالكمية.
دعاني الأستاذ غولد صهير لتنأول طعام العشاء في بيته وقال لي أنه سيكون معنا ابنه الأستاذ غولد صهير المهندس وكنته ولما قدمني إليهما قال لي: إن كنتي وهي تعرف خمس لغات فقط تكتب بها وتتكلم بسهولة عارفة بالآثار المصرية فقلت لها: بارك الله فيك أيتها العقيلة المحترمة. مجرية في مقتبل الشباب تدرس آثار مصر ومصر باريزنا وأهلها أرقى شعب إسلامي ليس فيهم لدرس آثار بلادهم سوى رجل واحد هو العلامة أحمد كمال بك وكيل المتحف المصري هذا الرجل ألفرد في وادي النيل يتوفر على البحث في عاديات مصره على الأصول الغربية وهو منذ زهاء عشرين سنة يلوب على من يعلمه ما يعلم ليخلفه على الأقل في منصبه لأنه بلغ سن الشيخوخة ولم يجد في ثلاثة عشر مليون مصري من يقبل على تعلم ما أفنى حياته في تحصيله وألف فيه ونوع الأساليب في نشره في الكتب والمحاضرات والمقالات. أنا أعلم أيتها العقيلة النبيلة أن في أوروبا نحو عشرة من علماء الآثار المصرية ولكن ما كان يخطر ببالي أن أرى في بلاد المجر فتاة تشارك الرجال في علمهم وتساهم معهم في فن يحتاج إلى نظر دقيق ومادة منوعة في العلم فإن كان نساؤهم على هذا المثال فلا عجب إذا كان من رجالهم العجب العجاب.
إلى اليوم لم نفكر في هذا الشرق الأقرب في تعليم فتياتنا كما تتعلم فتيات الغرب والنساء نصف البشر ولا يقوم النصف الأول إلا بنهوض النصف الثاني فإن كانت كنة غولد صهير أستاذ تفسير القرآن والأصول والحديث والملل والنحل في جامعة بودابست عالمة بالآثار المصرية فكم عالمة بل عالم عندكم معاشر العرب بآثار البتراء وبعلبك وجرش وتدمر وبابل وآشور وحمير والحيرة؟
أنا مع الأسف على كثرة بحثي في تراجم الناس وأيامهم لا أقدر أن أتيكم بواحد يكون على النمط الأوروبي في بحثه ودرسه كما لا أجد في أمتي المهندس الذي أريده ولا الكيماوي