للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقايا عادتنا في جرش ووادي موسى وبعلبك وتدمر أفخم وأعظم من بقايا عادات اليونان كلها التي لم تقو على عاديات الأيام.

في العاصمتين

رأيت هذه المرة في العاصمتين عاصمة العثمانيين الأستانة وعاصمة المصريين القاهرة ما طالما شكا منه الاجتماعيون من الاتكال المجسم والغلو في حب التوظف والاستخدام رأيت ابن الأستانة لا يفكر ولا يريد أن يفكر في غير استحصال الرزق من باب الحكومة ورأيت المصري كذاك كلاهما يستميتان في طلب الوظائف وقد زهدا في الأعمال الحرة فلا تكاد ترى في الأستانة متعلماً إلا وهو يرغب أن يبيع استقلاله من غيره ويكون بيده آلة تحرك بدون اختيارها ومن الأسف أن هذا الخلق استحكم حتى لا تشهد سوى أسباب الرزق الضئيلة بيد الأتراك أما التجارب الواسعة والصناعات الرابحة فهي للرومي والأرمني والألماني والفرنسي وغيرهم من الشعوب والأمم وكذلك المصري المتعلم لم يتعلم إلا للخدمة في الدواوين وترك التجارة وغيرها من مذاهب المعاش للرومي والإيطالي وغيرهما.

داءٌ استحكمت حلقاته حتى افتقرنا. يسلب الغريب منا أموالنا ليحملها إلى بلاده ولا يزال آخذاً بالانتشار والعبر في القطرين تتلو العبر داعية القومين إلى إطراح المذاهب الاتكالية وإن أبواب الاستخدام إذا فتحت اليوم قليلاً فغداً تقفل حتى في وجوه الأكفاء من الطالبين وخزائن فروق ومصر تضيق صدراً عن إنفاق ما يلزم من المال على العمال والمستقل في عمله أنفع لنفسه ولقومه من المتعلق بأذيال غيره الذي يعيش عالة على السوي.

كنت في القهوة في زيارة صديق لي من أهل العلم والمكانة في الحكومة المصرية فجاءته فتاة مسلمة ودفعت إليه ورقة بخطها كتبت فيها صورة ما نالها من تنحية ديوان الصحة لها من الخدمة في المستشفى وحرمانها من خمسة جنيهات كانت عينت لها منذ تخرجت من مدرسة القصر العيني وطالبة إليه أن يساعدها لإرجاعها إلى مركزها.

فقال لها صاحبي أن مصلحة الصحة قد أسدت إليك معروفاً يجب عليك أن تشكريها عليه وهو أنه فتحت أمامك باب الاستقلال في عملك ومصر في حاجة إلى طبيبة مسلمة مثلك وليس فيها كثيرات من أمثالك وأنت تكتبين العربية والإنكليزية وتحسنينهما كما لحظت من