كتابتك فأنصح لك أن تعمدي إلى نشر إعلانات عن محل تتخذينه وتشتهرين مع الزمن فلا ترضين بعد مدة أن تدفعي هذا القدر من المرتب الذي تعدينه شيئاً للممرض الذي تستخدمينه فإنك ستربحين العشرات من الجنيهات في شهرك وتخدمين بذلك بلادك ونفسك.
فلم يحل هذا الكلام محل القبول من قلب الطبيبة وأخذت تورد الحجج على صحة ما تريده وأنه لا قبل لها إلا بالاستخدام ولا رزق لها إلا فيه وأنها إذا نالت الخمسة جنيهات فقد حيزت لها الدنيا وأخذت بحظ من السعادة لها ولأسرتها لأن هذه أنفقت ما كانت تملكه في تعليمها فلم يعد في وسعها أن تزيد على ذلك.
وهكذا بقي صاحبي وأنا نورد البراهين القاطعة التي تلقن ألفتاة معنى الاستقلال وتبعد بها عن مواطن الاتكال حتى كل اللسان وانتهى الأمر إلى أن يكلم في أمرها أحد أصحاب الشأن ليرجعوها إلى وظيفتها التي أخرجت منها من دون سبب ولا تجد سعادتها إلا فيها.
هذا مثال رأيته بالأمس في مصر وكل يوم يقع مثله عشرات في الأستانة. وإن المرء ليأسف جد الأسف على عقول تضيع من غير فائدة وأعمال وكفاءات تذهب هباءً. أناس يرضون بالدون من العيش وفي استعدادهم أن يبرزوا في كل عمل تصح إرادتهم على اتخاذه وإن يغتنوا ويرتاحوا ويعيشوا مرفهين لا مقتراً عليهم وأحراراً لا مقيدين مستعبدين.
وفي الشرق قوى كثيرة تضيع وبعض ما يمكن الانتفاع به من موجوده لا يحسن استخدامه والمتعلم من أهله يعتقد أن الراحة والغبطة في الاعتماد على خدمة مخدمها وما درى أن تعبه في هذه الراحة وأنه لا راحة بدون تعب ولو كان هذا الخلق غرس في طباع الإنكليز والألمان والأميركان والفرنسيين وغيرهم من أمم المدنية الحديثة كما غرس في طباع سكان هذه الديار ما قامت هذه الحضارة التي تدهشنا وما استقام نظام الأسرة على صورة تبهرنا آثارها.
أليس من الأسف أن نكون حتى في بلادنا غرباء فإذا أراد أحدنا أن يترفه بعض الرفاهية لا يجد نزلاً ولا مطعماً ولا قهوة ولا مسرحاً لوطني بل كلها للإفرنج. والتركي والعربي باهتان شخصان لا يعرفان من أين تؤكل الكتف لأنهما يجهلان أصول الحياة وتحصيل الرزق ويحبان التفخل والفخفخة وضخامة الألقاب. ولطالما رأينا من نعدهم من كبرائنا يطأطئون رؤوسهم ذلةً لتاجر صغير في مظهره في الحقيقة ولكنه كبير في ذاته لأنه جمع