مالاً وعدده إرادة أن يقرضه ما يستعين به على تمشية أموره أو يتبلغ به يسيراً ريثما تصرف له مشاهرته وهذه الحال تراها على أشدها في القطر المصري لأن ابن مصر منفاق على الأكثر لا يفكر في أن يوازي غالباً بين دخله وخرجه ولذا انتقلت الأملاك أو جزءٌ كبير منها من أيدي المصريين إلى الغرباء والرومي في المقدمة والحال في الأستانة أدهى وأمر.
وبعد فحيث اشتد العراك بين الأمم وبعبارة أخرى في العواصم الشرقية التي تكون فيها المنافسة على أتمها تجد الوطني يتضاءل ويضعف أمام الغربي بل ينهزم شر هزيمة وتتجلى للناظر صورة مجسمة من صور الاتكال والاستقلال بل صورة من العلم النظري الذي هو القشور وصورة العلم العملي الذي هو اللباب.
اشتدت في فرنسا على عهدها الأخير محبة الوظائف وكثر فيها جيوش الموظفين والمستخدمين فأحس القوم بهذه الآفة التي تهدد كيانهم فأنشأ بعض المستنيرين حقيقة يستنكفون من تولي الوظائف حتى ضاق ذرع الحكومة أو كاد في البحث عن الأكفاء إذا لم يقبل عليها إلا المتوسطون وزهد في خدمتها النوابغ وما أنس لا أنس وزيراً تعارفت إليه في باريس ترك الخدمة وتولى إدارة مصرف صغير وكم في الغرب من رجل عظيم خطبته المناصب فأبى وآثر أن يكون تاجراً أو صرافا أو صاحب معمل أو مدير شركة أو محرر جريدة أو أستاذا في مدرسة على أن يكون وزيراً كبيراً يقدم ويؤخر في مصالح أمته ويحل ويعقد في أقدارها. والأمثلة كثيرة في هذا الباب فهل يتعظ شرقنا المسكين.