نبأني أحد المعلمين في مدرسة الألسنة الشرقية أن المتلقين للسان العثماني هذه الآونة يناهز عددهم ٢. . بعد أن كانوا في السنين الماضية لا يتجاوزون نصف العشر من هذا المقدار ولبعض العثمانيين دروس خاصة يتلقاها عنهم في إدارة الأخبار الشرقية ملأ من الألمان. وصرف رئيس المستشرقين الأستاذ هرتمان همته إلى هذه اللغة ولفت نظره إلى تتبع آدابها بطلب حثيث من عصابة المستشرقين فنهض يحرر المقالة تارة ويلقي المحاضرة تارة أخرى. وانعقدت منذ أشهر لجنة توالي جلساتها في دار الكتب العامة وتنظر في القسم المؤلف بلهجة عثمانية.
أخلاق وآداب
يعرف الألماني بمتانة العزم وقلة الانقياد لخواطر اليأس وكنت طالعت مقالات لبعض أعدائهم الذين لا يثبتون لهم الذكاء ألفائق وسرعة الوصول إلى الدقائق فرأيتهم يسلمون لهم طبيعة احتمال الشدائد والثبات على الأعمال إلى أن يحرزوا فيها نتيجة حتى جعلوا مقدرتهم العلمية أو ما يظهر على أيديهم من المخترعات إنما هو ناشئ عن التجلد والمثابرة على السعي والتجربة.
ورسوخهم في خلق الصبر هو الأساس الذي قام عليه تبريزهم في القوة العسكرية ولطالما طفت غابات وعرضات حول الثكنات فرأيت الجندي نائماً بملابسه الجديدة ووسامه الشرف على فراش من تراب ولا وسادة له غير ذراعه أو قطعة من جلمود. وما برح ملوكهم يحافظون على ما يقوي هذه الخصلة في نفوسهم حتى بالغ فريدريك ويليام الأول في الحط من قدر المعارف زاعماً أنها مدعاة للفشل وإضعاف مزية الشجاعة وكان من أثر زعمه أنه لم يعين لتنمية دار الكتب التي أنشأها أبوه سوى ستة ماركات في السنة. ولما استقلها أهل العلم حينئذ قال لهم: أليس في خزائنها كثير من الكتب المكررة فيمكن أن تباع ويستبدل بها كتب مستحدثة.
استحكمت بينهم روابط الوفاق والمسالمة حتى أني أقمت ستة أشهر في برلين وثلاثة أشهر في قرية في ضواحيها ولم ألحظ مشاجرة أو أسمع صخباً ولو بين صبيين أو امرأتين. فعدم ملاحظة الغريب لمثل هذا في مدة واسعة يشعر بقلة المنازعات العدوانية فيما بينهم. ومن نتائج هذه التربية التي يعاضدها اتساع طرق الاكتساب أن الأمة أصبحت في قرار مكين