للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إني لا أزال اسمع من زيد بن رفاعة قولا يريبني ومذهبا لا عهد لي به وكناية عمتا لا أحقه وإشارة إلى ما يتوضح شيء منه يذكر الحروف ويذكر النقط ويزعم أن الباء لم تنقط من تحت واحدة إلا لسبب والتاء لم تنقط من فوق اثنتين إلا لواحدة إلا لعلة والألف لم تعجم ألا لغرض وأشباه هذا واشهد منه في غرض ذلك دعوى يتعاظم بها وينتفخ بذكرها فما حديثه وما شانه وما دخلته فقد بلغني باابا حيان منك تغشاه وتجلس إليه وتكثر عنده ولك معه نوادر معجبة ومن طالت عشرته إنسان صدقت خبرته وأمكن إطلاعه على مستكن رأيه وخافي مذهبه فقلت أيها الوزير أنت الذي تعرفه قبلي قديماً وحديثاً والاستخدام وله منك الإمرة القديمة والنسبة المعروفة فقال ذع هذا وصفه لي فقلت هناك ذكاء غالب وذهن وقاد ومتسع في قول النظم والنثر مع الكتابة البارعة في الحساب والبلاغة وحفظ أيام الناس وسماع المقالات وتبصر في الآراء والبيانات وتصرف في كل فن أما بالشدو الموهم وأما بالتوسط المفهم وأما بالتناهي المفحم قال فعلى هذا ما مذهبه قلت لا ينسب إلى شيء ولا يعرف برهط لجيشانه بكل شيء وغليانه بكل ولاختلاف ما يبدو من بسطته ببيانه وسطوته بلسانه وقد أقام بالبصرة زمانا طويلا وصادف بها جماعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة منهم أبو سليمان محمد بن معشر البيشي ويعرف بالمقدسي وأبو الحسن علي ابن هارون الزنجاني وأبو احمد المهرجاني والعوفي وغيرهم فصحبهم وخدمهم وكانت هذه العصابة قد تألفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهبا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى ألفوز برضوان الله وذلك أنهم قالوا إن الشريعة قد دنست بالجهالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية وزعموا انه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال وصنفوا خمسين رسالة في جميع أجزاء الفلسفة علميها وعمليها وافردوا لها فهرسا وسموه رسائل إخوان الصفا وكتموا في أسمائهمإلى إن قال: قال الوزير: فهل رأيت هذه الرسائل قلت: قد رأيت جملة منها وهي مبثوثة من كل فن بلا إشباع ولا كفاية وفيها خرافات وكنايات وحملت عدة منها إلى شيخنا لأبي سليمان المنطقي السجستاني محمد بن بهرام وعرضتها عليه فنظر فيها أياماً وتبحرها طويلاً ثم ردها علي وقال: تعبوا وما أغنوا ونصبوا وما أجدوا وحاموا وما ردوا وغنوا فما أطربوا ونسجوا