على كل ارتقاء وتعود بالناس إلى أقصى التوحش قال فوكويه إن ضمانة السلم تولد قبل أن يأتي نصف قرن فساداً وانحطاطاً افعل في تقويم دعائم الإنسانية من عوامل الحروب لا شك أن الحروب لا تخلو من محاذير وكثيراً ذات بال ولكن إذا قورنت بغيرها تبين الكفة الراجحة من الكفة الشائلة في الحروب محاذير ترد إلى أصول ثلاثة فقد المال وفقد الرجال ضعف العنصر ففقد المال لا شأن له إذ دلنا التاريخ أن الشعوب الكثيرة الغني كانت أبداً تضمحل أمام الشعوب الفقيرة وما أفقار أمة من المضر بها كل الضرر فقد قال الأخصائيون أن ألمانيا أنفقت حتى الآن كثيراً من المليارات للاحتفاظ بولايتي الألزاس واللورين وأن جميع أوروبا تفادي كل سنة بمليارات كثيرة في سبيل تسليح شعوبها ولا جدال في أن بعض الأمم ذاهبة نحو الإفلاس وعلاج هذا الداء فيها أن تحرض على العمل وتعلم الاقتصاد ويجب أن تعتبر هذه المبالغ المصروفة في سبيل التجنيد ضرباً من ضروب المكافأة الضامنة لمن يدفعها شر الغارة عليه فالأمة الأوروبية التي تبقى يوماً بدون جيش تضم حالاً إلى دولة قوية فتستضيفها وترهقها بما تضعه عليها الضرائب الباهظة وهي أشد من كل ضريبة تؤديها في سبيل التسليح ولذلك ترى الأمم تتنافس في إنفاق الملايين على جيوشها ريثما يضرب بعضها بعضاً بالقنابل والأصل الآخر الذي يحاذر منه في الحروب قلة الرجال وهذا ليس من العظم بالقدر الذي يحمل له خصوصاً عند الأمم التي يكثر توالدها فإن نابليون أضاع في حروبه ثلاثة ملايين من الأنفس ولكنه خلف مجداً لعنصره من فوائد الحروب أنها تؤلف روحاً وطنية وبالحروب فقط تتولد هذه الروح وتتأصل في جسم الأمة بدون روح وطنية يصعب أن تقوم لشعب مدنية وحضارة. فالروح الوطنية تقويها الحروب عند الظفر وتنمو قوتها كل النمو عند الانكسار. يقولون إن وقعة اينا كانت مصيبة على ألمانيا والحقيقة أنها لم تكن كذلك إذ بدون هذه المصيبة الموهومة كانت وحدة ألمانيا وقوتها تأخرت بضعة قرون وإنا إذا لم ننظر إلى الحوادث إلا باعتبار نتائجها البعيدة يسوغ لنا أن نقول إن وقعة أينا كانت وبالاً على فرنسا الظافرة إذ ذاك لا على ألمانيا المغلوبة في تلك الوقعة. نشأ من الحروب الأخيرة في أوروبا قانون التجنيد العام فإنه وإن أضر بالأمم الأوروبية من حيث الماديات ولكنه نفعها من وجوه ولولاه لانتشرت ألفوضى وسادت الاشتراكية وتقدمت جميع أبنية المدينة الحديثة. فإن الأسس الدينية القديمة التي