وقلة اعتنائهم به بل لسهولة الشعر وشيوعه في حاضرهم وباديهم وخاصهم وعامهم بخلاف الخطابة فإنه لم يتعاطها منهم إلا القليل النادر من ألفصحاء المصاقع فلذلك عز حفظها وقل عنهم نقلها وقد كانت تقوم بها في الجاهلية سادات العرب ورؤسائهم ممن فاز بقدح ألفضل وسبق إلى ذرى المجد ويخصون ذلك بالمواقف الكرام والمشاهد العظام والمجالس الكريمة والمجامع الحفيلة فيقوم الخطيب في قومه فيحمد الله ويثني عليه ثم يذكر ما سنح له من مطابق قصده وموافق طلبه من وعظ يذكر أو فخر أو إصلاح أو نكاح أو غير ذلك مما يقتضيه المنام نعم إن الخطابة صناعة الرسل عليهم السلام لأنهم يدعون إلى الله ويكلفون بإرشاد الخلق وهذا يقتضي البلاغة والبيان المتناهي لذلك قال موسى رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني بفقهوا قولي وذلك لأنه كان به لعثة فخشي أن يعدها قومه عيباً ويلووا بوجوههم عن دعوته أما شعيب عليه السلام فقد سماه نبينا عليه الصلاة والسلام خطيب الأنبياء لما ورد في الكتاب العزيز من أسلوبه البديع في البيان وتلطفه في إبلاغ دعوته إلى أهل مدين الذين غلبت عليهم الشقوة قال تعالى وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ولا تقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم ارفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ إلى ا، قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاًِ حسناً أن أخألفكم إلى ما أنهاكم عنه أن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يحرمنكم شقاقي إن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود. ولشرف الخطابة وتأثيرها في تطهير النفوس أوجبها الشارع وسنها للمسلمين في مساجدهم كل جمعة وعيد وفي الحج أي في عرفة واوجب على الحضور التزام الأدب مع الخطيب بل علمهم حسن الإصغاء وفي الحديث إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت ولم يعين الشارع للخطب الدينية أو خطب الجوامع والمواسم موضوعاً خاصاً بل جعلها مطلقة يتناول الخطيب الكلام من المناسبات الزمنية ويورد للحضور من هدي الشارع ما يهذب به أرواحهم ويهيب بهم إلى بارئهم ويغرس فيهم مكارم