فيها الفاتحون منذ القديم ففتحها ألفرس فالإسكندر فالرومان وأصبحت ساحة حرب بين البيزنطيين والفرس ثم بين البيزنطيين والخلفاء العباسيين الذين فتحوها أوائل حكمهم وكانوا يختلفون إليها ويعنون بإعمارها فأذنة بناها صالح بن علي العباس والهارونية بناها هارون الرشيد العباسي وطرسوس أعمر مدينة قيلقية في القديم والحديث غلب عليها الإفرنج زمن بني أمية إلى أن أخذها منهم أمير المؤمنين المأمون العباسي وبها مات وهو مدفون فيها كما دفن أبوه في طوس بخراسان ثم خرب ولاية أطنة جنكيز خان وتيمورلنك في القرون الوسطى.
مناظر ولاية أطنة كلها جميلة لأنها سهلية جبلية ساحلية داخلية فيها من الأنهار سيحان وجيحان وكوصوونهر البردان ومن الجبال سلسلة جبال وروس الجسمية وشعباته الجنوبية وجبال قوزان وبيك بوغا وآلاطاغ وصوماق وكوسه وكلها تأخذ بمجامع القلوب لما حوته من البدائع الطبيعية ومن طرسوس إلى بوزانتي نحوعشر ساعات في العربة.
جبال وروس
وهنا مضيق يسمونه اليوم (كولك بوغازي) ومعناه مضيق الكيلة كيلة الحبوب وكانت العرب تسميه الدرب أوالدروب ذكره امرؤ القيس ملك الشعر في الجاهلية في شعره لما توجه إلى قيصر الروم وكان مشى معه صاحب يقال له عمروبن قميئة فلما رأى عمر الدرب وهو الحاجز بين بلاد العرب وبلاد العجم بكى جزعاً لفراقه بلاد العرب ودخوله بلاد العجم ففي ذلك قال امرؤ القيس:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكاً أونموت فنعذرا
أما نحن فابتهجت أنفسنا وأيم الله واطمأنت لما اجتزنا الدرب وعلمنا أننا نركب بعده القطار ولم يمض لنا إلا ساعات معدودة لنبلغ دار الخلافة بهجة الدنيا وعاصمة الإسلام وقرارة الدعة ومدينة المنعة ومعهد الظرف واللطف وبلد الشعر والخيال. إن الدرب أومضيق (كولك بوغازي) هو كما قلنا واد تتخلله الأنهار والجداول ويكسوشجر الأرز نجاده ووهاده على صورة تظنها من هندسة أعظم مهندسي الزراعة لعهدنا وما هو في الحقيقة إلا مما نبت واستطال بنفسه أنت لا تنفك منذ تطأ عتبة جبال وروس تشم أريج شجرها ورندها