أو ينقلون كلاماً لغيرهم وينسقونه ويضيفون إليه ما يشاءون على أن من عنوا بإجادة النقل والترجمة من لغات الأعاجم إلى لغتهم هم في الأكثر ليسوا في فضلهم وأفضالهم دون أولئك المؤلفين بل أن من ينقل علماً لا عهد لأمته به أفضل من أكثر أرباب التواليف والمصنفات.
ولذلك تقاضانا عرفان الجميل لبيض أيادي أولئك التراجمة في الإسلام أن نذكر أسماء من عثرنا عليهم منهم وندل على الجهابذة المهرة فيهم. ولابد من الإشارة إلى أن معظم التراجمة قديماً وحديثاً كانوا من غير أهل الإسلام لحكمة ربما كان فيها معنى من معاني ما قبل من أن العلم لو نزل من السماء لتلقاه قوم من أهل فارس. ولعل تقسيم الأعمال قضى على المسلمين أن ينقطع علماؤهم إلى تدوين العلوم الدينية واللسانية وتركوا غيرها من الأشغال العلمية لمن يحسنها أو يخلق وقد لقنها من صغره من أهل ذمتهم أو غير أرباب نحلتهم.
نقل اصطفان القديم الكيمياء لخالد بن يزيد الأموي في القرن الأول كما تعلمها هذا من مريانوس الراهب الرومي فكان هذا أول كتاب نقل. ونقل ماسر جويه السرياني كتاب أهرن بن أعين بأمر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وكان البطريق في أيام المنصور وأمره بنقل أشياء من الكتب القديمة وابنه أبو زكريا يحيى ابن البطريق وكان في جملة الحسن بن سهل. وكان حنين بن اسحق أول من نقل شيئاً من علوم الروم إلى السرياني ثم إلى العربي وكان هذا الرجل يحسن السريانية والعربية والرومية والفارسية بل يعرف غريبها ومستعملها وهو الذي اختار له المتوكل لما أتمنه على الترجمة كتاباً نحارير وكانوا يترجمون ويتصفح ما ترجموا كاصطفين بن بسيل وموسى بن خالد الترجمان وقيضا الرهاوي وسيرجس الراسي. وما أنا بمبالغ لو قلت أن حنيناً نقل ربع ما ترجم إلى العربية من علوم الأوائل أيام التمدن الإسلامي وكان ربعه الجيد الذي لا غبار عليه وذلك لأنه كان زيادة على إحكامه لتلك اللغات الأربع عالماً بالعلوم التي ينقلها من طبها وفلسفتها. ولحنين ولدان داود واسحق صنف لهما كتباً طبية في المبادئ والتعليم ونقل لهما كتباً كثيرة من كتب جالينوس واشتهر اسحق وتميز في صناعة الطب وله تصانيف كثيرة إلا أن جل عنايته كانت مصروفة إلى نقل الكتب الحكمية وكان اسحق يحسن اللغات التي يحسنها أبوه وقلد هارون الرشيد يوحنا بن ماسويه ترجمة الكتب القديمة مما وجد بأنقرة وعمورية