ويحسن أدبه، وهو لا يحتاج في الجهل إلى أكثر من ترك التّعلّم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخيّر
قال معاوية بن أبي سفيان لصحار بن عياش العبدي ما هذه البلاغة التي فيكم قال: سيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا فقال له رجلٌ من عرض القوم يا أمير المؤمنين هؤلاء باليسر والرطب، أبصر منهم بالخطب، فقال صحار: أجل والله لنعلم انّ الريح لتنقحه، وأن البرد ليعقده، وأنّ القمر ليصبغه، وأنّ الحرَّ لينضجه.
قال أبو عثمان: قال صاحب البلاغة والخطابة، وأهل البيان وحبّ التبيين إنما عاب النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلّم المتنادقين والثرثارين والذي يتخلل بلسانه، كما تتخلل الباقرة بلسانها، والأعرابي المتشادق، هو الذي يصنع بفكّيه وشدقيه ما لا يستجيزه أهل الأدب من خطباه أل الدّرّ فمن تكلّف ذلك منهم فهو أعيب والذّم له ألزم وقد كان الرّجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدّة أمثالٍ سائرة، ولم يكن الناس جميعاً يتمثّلون بها إلا لما فيها من المرافق والإنتفاع، ومدار العلم على الشّهد والمثل وإنما حثّوا على الصّمت لأنّ العامّة إلى معرفة خطأ القول، أسرع منهم إلى معرفة خطأ الصمت. ومعنى الصامت في صمته، أخفى من معنى القائل في قوله، وألا فالسكوت عن قول الحقّ، في معنى النّطق بالباطل ولعمري أنّ النّاس إلى الكلام لأسرع، لأنّ في أصل التركيب أنّ الحاجة إلى القول والعمل أكثر من الحاجة إلى ترك العمل، والسكوت عن جميع القول، وليس الصّمت كلّه أفضل من الكلام كلّه، ولا الكلام كلّه أفضل من السكوت كلّه، بل قد علّمنا أنذ عامّة الكلام، أفضل من عامّة السكوت، وقد قال الله عزّ وجلّ:(سمّاعون للكذب آكلون للسّحت فجعل سمعه وكذبه سواءً) وقال الشاعر:
بني عديّ ألا ينهى سفيهكم ... أنّ السّفيه إذا لم ينهَ مأمور
وقال آخر:
فإن أنا لم آمر ولم أنهَ عنكما ... ضحكت له حتى يلج ويستشري
وكيف يكون الصّمت أنفع، والإيثار له أفضل ونفعه لا يكاد يجاوز رأس صاحبه، ونفع الكلام يعمّ ويخصُّ، والرواة لم يرووا سكوت الصّامتين، كما روت كلام الناطقين، وبالكلام أرسل الله أنبيائه لا بالصمت، ومواضع الصمت المحمودة قليلة، ومواضع الكلام المحمودة