ويأخذ بالأنفاس النادرة ألفاترة التي لا هي حارّة ولا هي باردة وكذلك الشعر الوسط والغناء الوسط وإنما الشّأن في الحارّ جداً والبارد جداً وكان محبر بن عباد بن كاسب يقول: والله لفلانٌ أثقل من مغنً وسط وأبغض من ظريفٍ وسطٍ. قلنا: وهذا يشبه ما قاله لابرويير في كتابه الأخلاق: من الأشياء ما لا يطاق فيه التوسط: الشعر والموسيقى والتصوير والخطاب العامّ. قال إسحاق بن حسّان بن فوهة: لم يفسّر البلاغة تفسير ابن المقفّع أحدٌ سئل ما البلاغة قال: البلاغة اسمٌ جامعٌ لمعانٍ تجري في أمور كثيرة منها ما يكون في السكوت ومنها ما يكون في الاستماع ومنها ما يكون في الإشارة ومنها ما يكون في الحديث ومنها ما يكون في الاحتجاج ومنها ما يكون جواباً ومنها ما يكون ابتداءً ومنها ما يكون شعراً ومنها ما يكون سجعاً وخطباً ومنها ما يكون رسائل. فعامةً ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى والإيجاز هو البلاغة فأما الخطب بين السماطين وفي إصلاح ذات البين فالإكثار في غير خطلً والإطالة في غير إملال وليكن في صدر كلامك دليلٌ على حاجتك كما أنّ خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته كأن يقول: فرقٌ بين صدر خطبة النكاح وبين صدر خطبة العيد وخطبة الصّلح وخطبة المذاهب حتى يكون لكل فنٍّ من ذلك صدرٌ يدل على عجزه فإنه لا خير في كلامٍ لا يدلّ على معناك ولا يشير إلى مغزاك وإلى العمود الذي إليه قصدت والغرض الذي إليه نزعت قال فقيل له فإن ملَّ المستمع الإطالة التي ذكرت أنها حقّ ذلك الموقف قال: إذا عطيت لكل مقامٍ حقّه وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام وأرضيت من يعرف حقوق الكلام فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو فإنه لا يرضيهما شيءٌ وأما الجاهل فلست منه وليس منك ورضا جميع الناس شيءٌ لا ينال.