محا الجيش الرّابع عن البلاد عار العوز والكسل إذ رأى المواد الأولية كلّها موفورة فيما تنال على أيسر وجه وبقليل من العناية والمعرفة وشاهدٌ في أبناء البلاد بقايا من أهل المهن والصّناعات لا يقف بهم عن المضي في مضمار الرّقي إلا شيء من العناية والتّنشيط. ذكر جودت في تاريخه أنّ جمهوريّة البنادقة كانت ساعدت بإنشاء السفن عدونا علينا فاصطنع في دور صناعتها ما يستعين به على حرب الدّولة العلية فآخذت الحكومة إذ ذاك جمهورية البندقية على عملها المنكر فأجابت هذه ليس للدولة العثمانية أن تؤاخذنا على إنشائنا السّفن في معاملنا وبيعها ممن نحب فإنّ عندها جميع مواد السّفن وهي تستطيع أن تحرج مثل سفننا ولا تحتاجنا ولا غيرنا. وكان هذا الجواب عبرةً للدولة فشمّرت عن ساعد الجدّ وأخذت تنشئ في ذاك الدّور سفنها في معاملها وموادها من حديد وخشب ورصاص وزجاج وحبال كلّها من الرض العثمانية.
كانت الحرب الأخيرة أعظم واعظ لنا في هذا السّبيل فانتبهت الحكومة أولاً للوازم الجيش فرأت من الصناعات مالا أثر له عندنا ومنه الموجود ولكن على ضعفٍ يحتاج إلى إصلاح وتعديل ومن الصناعات التي أحياها الجيش الرّابع صناعة القطن المعقّم للجرحى والأغذية المربية من بقول وثمار وصنع القذائف والبيطرة وما يلزمها من الأدوات على الأصول الحديثة ومن الصناعات الموجودة على قلّة نسج الأكياس للتّحميل من القطن وقشر القنّب وصنع الحدّاجات للجِمال والشّقادف لنقل المرضى والجرحى والسّرج للجِمال والخيام واللجم والهمايين من الجلد والقرب والمطرات والأقمشة لألبسة الجنود الضّبّاط من نوع العبا وحياكة الطّنافس والبسط والجوارب والخيام وخياطة الثّياب وصنع الحذية وغيرها
وسنتكلّم على معاهد هذه الصّناعات في دمشق معهداً معهداً حسب التّرتيب الذي وقع لنا في زيارتها ونتوسّع في الكلام ماوسعنا المقام تنبيهاً للعاقل وبشرىً للمستبشر وتحدّثاً بالنّعمة وطلباً للمزيد وحثّاً للهمم وتبصرة للمستقبل.
التّجارة والحدادة والقنار والقذائف
اعتمد الجيش الرّابع في الأعمال الصّناعيّة على ألوفٍ من الجنود السوريين على الأغلب ومنهم منسبقت له معاناة صّناعة من الصناعات وآخرون لاعهد لهم بشيء منها بل تعلّموها