منذ دخلوا في سلك الجنديّة المقدّس يوم إعلان النّفير العام. وقد استعمل منهم أولاداً من سن التّاسعة إلى الخامسة عشرة بصفة خرّيجين في تلك الصّناعات وعددهم ثلاثمائة وخمسون خرّيجاً علموا منها ما يناسب صحّتهم ويلتئم مع أعمارهم. وبالنّظر لزكاء أبناء هذه الدّيار ولنظام المصانع التي عُدّوا في جملتها والأعمال المرتّبة التي عهد إليهم أمرها وتنظيم أساليب عيشهم وعملهم برعوا أو أكثرهم في مدّة قليلة ومنهم من أقلعوا عن عادات كانوا ألفوها من مثل التّدخين وغيره ومرنوا على العمل حتّى قلّ الثّرثارون فيهم فأنت إذا دخلت مصانعهم أيّ وقت كان من أوقات العمل المحددة لاتسمع لغواً ولا صوتاً وكلّ عاملٍ أو ماهن يصرف ذهنه إلى ما يعمل فيه مخافة أن يضيع عليه الوقت ولا يكمل حصّته من العمل ولهذه الأخلاق دخلٌ كبير في نجاح هذه الأعمال والعمّال فإنّ العامل الذي يكثر على غير نظام تقلُّ عمالته ويوميّاته أما الذي يصرف كَدَّه لعمله جماةً واحدةً فيرجح عليه في الصّناعات حتى قالوا أنّ الصّانع الإنكليزي يأخذ ضعفي أجرة الصّانع الطّلياني لأن هذا ثرثار لا يحصر ذهنه في عمله ويلتهي بغيره بالضّرورة فعمله نصف عمل.
هذا ما لحظناه من أساليب الرّقي الحقيقي الماثلة في مصانع الجيش في دمشق فقد رأينا الحديد يُذاب ويُطرق على أيسر صورة وتعمل منه أدوات العجلات والمحفّات. والأخشاب تُقطع وتُنجر وتُصقل. وأكثر الآلات التي تستعمل في هذا السّبيل جُلبت من حلب وعينتاب وطرسوس ولبنان وبيروت وكانت مبعثرةً لاتستفاد منها ألفائدة المطلوبة فلمّا ضمّ الجيش شملها وعرف كيف يستخدمها أخرجت أجمل المصنوعات في أسرع وقت ووفّرت على العاملين عناءً ووقتاً لولاهما لاقتضى العمل أيدياً كثيرة عاملة ووقتاً أطول.
كنّا عاجزين فيما مضى عن اصطناع عجلات النّقل والركوب ومحفّات الجرحى والمرضى في مصانعنا الوطنيّة وقد اختار الجيش أسهل أنواعها وأمتنها وألطفها على آخر طرز وصنع منهت ألوفاً بحيث تظنّها إذا رأيتها من صنع معامل أوروبا في حين تجد حديدها وخشبها من سوريا واليد التي اشتغلتها سوريّة وهي تُستعمل في خدمة سوريا وهذا ما يقِلُّ في جانبه كل شكر للحكومة السّاهرة على إنجاح الوطن والأخذ بأيدي أبناءه العاملين
تقوم مصانع بأعمال نفيسة من حاجيّات الجيش كالقدّوم والمنشار والكلاّب واللوالب والرّفوش والقدور والمراكن والمراجل والدّلاء والبراميل وغيرها زكلّ ذلك إذا رأيته تظنّه