وقد كانت بعض هذه الصّناعات في برّ الشّام أُصيبت بفترة بعد أن امتدّت الخطوط الحديدية من بيروت إلى دمشق فحوران ومن رياق إلى حلب فالإصلاحية ومن حلب فرأس العين ومن حمص إلى طرابلس ومن يافا فالقدس ومن حيفا فدرعا ومن دمشق إلى المدينة المنوّرة وانتقل بعض السّروجيين والخيميين إلى صناعات أخرى ولكن هذه الحرب عادت فأحيت صناعاتهم وتبيّن نفعها في داخليّة البلاد وأنّ الجيش المرابط والمجاهد في كل مصر وعصر لا يستغني عنها بحال من الأحوال.
زرنا هذه المصانع على حين فجأة فرأينا الصّنّاع على اختلاف درجاتهم مكبّين على عملهم لا يلتفتون إلى شيءٍ يجري أمامهم ومنهم قدماء أرباب الصّناعات يُرزق الواحد في اليوم العشرين والثّلاثين قرشاً وأكثرهم الجنود ومنهم طبقة الخرّيجين من صغار العملة يُعلّم في أربعة أشهر فيأتي منه ماهن ماهر كالذي تعلّم هذه الصّناعة السنين الطويلة واستعمال الآلات اللازمة للعمل ليس بعيد العهد ومنه ما يرد تاريخه إلى ستّة أشهر ومع هذا ترى الصّناع يعملون عليها كالعملة الممرّنين في معامل الغرب.
صناعة السّجاد والنّسّاجون والخيّاطون والأساكفة
راقنا جدّاً ما شهدناه في مصانع النّسيج والأقمشة وقد تمثّلت أمامنا آلات القرون القديمة من النّسيج وآلات القرون الوسطى وآلات القرن الحديث وفي كلّ واحدة من هذه الآلات يعمل النّسّاجون أقمشة نفيسة لكسوة الضّباط والجند فكأنّ لسان هذه المصانع يقول: لا جديدلمن لاقديم له. وهنا يُستفاد من كلّ قوّة
نعم استفاد الجيش الرّابع من كلّ قوّةٍ وجدها أمامه في هذه الدّيار واستعمل علمه ونشاط من عهد إليهم العمل من أصغر عاملٍ يكنس الأرض إلى المديريين ورؤساء الأدوات وبذلك صحّ فيه أن أوجد شيئاًمن لا شيء. وليست المهارة في أن يتجر التّاجر برأس مال قدره مئة ألف ليرة فيربح معاشه ولكن المهارة في أن يربح ذو رأس المال الصّغير معاشه على نسبة ذلك التّاجر الغني بأمواله
لو توفّرت هنا جميع المعدّات الكافية للنّسيج والخياطة وعمل الأحذية لما استغربنا شيئاً يعمله الجيش لأنّ الآلة بقليل من النّظر يتيسّر للقائم عليها أن يستفيد منها. ولكن أكثر العمل بالأدوات البسيطة التي تخرج مقداراً كافياً من المصنوعات بل أكثر من المأمول من مثلها