للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقديماً قالوا أنّ الصناعات إذا فقدت من مكان يتعذّر إرجاعها إليه على صورة سريعة ولكن الجيش الرّابع كذّب هذه القضية في أشهرٍ قليلةٍ وعلّم كتائب من أبناء الوطن وبناته صنائع شريفة والصّنعة في اليد أمان من ألفقر.

فطن الجرحى والمرضى

من أهمّ الصّناعات التي لم يكن لهذه الدّيار بل ولا للمملكة العثمانيّة عهدٌ بصنعها قطن الرّباطات واللفافات للجرحى فاتّخذ الجيش لصنعه أبنية حسنة بالقرب من مستشفى الغرباء في البرامكة وقسّمه أقساماً قسم الرّجال وهو لحلج القطن وندفه وقسم النّساء وهو لتنظيفه وغسله وصنعه حتى يخرج كأحسن ما يصنع من نوعه.

والنّظافة في كلّ هذه الأقسام مما يدهش له النّاظر وربّما لا نغالي إذا قلنا أنّها كادت تبلغ حدّ الإفراط ولانذكر أننا رأينا معهداً صناعيّاً في المملكة العثمانية بلغ بتأنّقه ومراعاة شروط الصّحة فيه مبلغ معمل قطن الجرحى هنا

تتمثّل لعينيك روح الإسلام العاملة الاقتصاديّة عندما ترى نساء شابّات وكهلات يتسابقن للعمل في هذا المصنع على أسلوب جديد وقد لبست كلّ واحدة منهن قفطاناً أبيض غاية في النّظافة يغطّي قامتها ووضعت على رأسها طاقيّة سترت شعرها ولم يعد يبدو غير وجهها أي أنّ المرأة هنا احتجبت بالحجاب الشّرعي وعملت عملاً يليق بها تنفع به نفسها وذويها ووطنها.

وقد نصبَ القيم عليهنّ ضابطاً كوسجاً قزماً دفعاً لكل ريبة وجُعل لهنّ مخدعان واسعان يحفظن فيهما ثيابهن ويستخدمن في المساء ماهناك من مغاسل للتّنظيف والوضوء وما يصلحهن ليعدن إلى سابق حالهن

وهذه هي الأرستقراطيّة الإسلامية ممزوجةً بروح الدّيمقراطيّة أي أن العاملات هنا جمعن بين الاجتماع على العمل الحر ولم تفُتهن الرّفاهيّة ولم يمنعهن حجابهن من الاحتراف بل عُدنَ به إلى سذاجته الأولى وأنشأن يخدمن أمّتهن من طريق الصّناعة كما كان في العصور الأولى ويكون الآن منهن الممرّضات في المستشفيات النّقّالة والثّابتة أيام الحرب.

وقد أثمر هذا العمل فوائدٌ كبيرةٌ جدّاً فلم تقتصر مصنوعاته على مستشفيات الجيش الرابع بل أرسل منذ إنشاء إلى جميع السّاحات الحربيّة قطنه ولفائفه وعصباته أرسل إلى جناق