خفايا ليس يدرك منتهاها ... ولا ترقى لأيسرها الظّنون
رقى سيّارةً فوق الهواء ... تحكّ بروقها زهرُ السّماءِ
وراح بها يدلّ على ذكاءٍ ... وددت أنها منها تكون
يراها العلم معجزة العصور ... ومشكاةً جلاها للدهور
وأطلقها هوازئ بالبدور ... تقيّد في محاسنها العيون
تراها وهي ناشرةُ الجناح ... كدلاحٍ تلفع بالرياح
فما حملت سوى أجلٍ متاحٍ ... وبين ضلوعها حتفٌ مهين
فكم عنها تمخّضت السنين ... وما نشرت وكم طويت قرون
وما سمحت بمولدها البطون ... ولا بلغ الظّهور لها جنين
تخطّ بمهرق الآفاق سطراً ... فتقرأ منه للإعجاز شعراً
وللتدمير والتّفريق نثراً ... وحاصل معنييه أذىً وهون
يثور بصدرها غازٍ فتغلي ... مراجلها على حقدٍ وغلّ
وإن تنظر فليس لغير ذلٍّ ... وضيمٍ ذلك النّظر الشّفون
طوى خبر البساط لها عيانٌ ... به لبصائر الدنيا افتتان
وإن يسلس لراكبها عنانٌ ... فكم منها يعاصيه حرون
تغرّد في الفضا تغريد شادي ... فيطرب شدوها سمع الجماد
وإن هامت بها في كلّ وادٍ ... عقولٌ فهي واديها الأمين
تريك على جمام الكدّ مزحاً ... فتشرح طبعك المكدود شرحاً
وإن محضتك بعد الغشّ نصحاً ... فكم من جدٍّ يولّده المجون
تطير وهل تباريها النسور ... ودون محلّها الشّعرى العبور
ولن يرقى لمرقاها الأثير ... وهل تُرقى الخواطر والظّنون
لمسترق النّجيّ غدت شهاباً ... تلهب في أضالعه التهاباً
وتقصيه وما بلغ اقتراباً ... لخافيها المراصد والعيون
تُرى بدراً وآونةً هلالاً ... إذا في الأفق أسرعت انتقالاً
وإن لاحت بوجه الكون خالاً ... فما غير الفضا لها جبين