وتربية العقل، فالأستاذ في الجامعة غير مضطر إلى توفيق محاضراته وخطبه مع مستوى عقل التلميذ واقتداره فهو قانع أن طلابه مستعدون لقبول ما يلقيه عليهم من الدروس العالية ومختلف الأفكار والآراء. أما التلميذ في الكلية فهو حر مستقل كأستاذه يطلب العلم الذي يراه لائقاً بنفسه ويصبو إلى الأستاذ الذي يعتقد فيه النفع والفائدة لعقله ويشتغل بدروسه على مقدار ما تميل إليه الروح والنفس وما يفوته من شوارد خطب أستاذه يستطيع أن يجده في مكتبات الكلية الغاصة بمئات الألوف من المجلدات في علوم مختلفة فإن أحط جامعة في ألمانيا لا تخلوا من مكتبة واسعة تسد حاجة التلميذ وتوسع مادة علومه ومعارفه.
أما التدريس في المدارس التالية وهي التي تعد الناشئة للدخول إلى الجامعات الكبرى - وتقابلها عندنا المدارس السلطانية - فهو جار على أصول المجانسة فالأستاذ فيها يراعي قاعدة مراقبة التلامذة وأطوارهم وطباعهم وقياس عقولهم واقتدارهم فهو يتفنن في تلقين الطلاب وحثهم على استماعها والمل بعقولهم إليها، والمراد بأصول المجانسة في المدارس الألمانية هو التزام الجد والاعتناء في إجراء الامتحانات سواء في قبول التلامذة الجدد أو في الامتحانات السنوية بحيث لا يستطيع أحد أن يجد فرقاً في العلم والعقل والاقتدار والكفاءة بين تلامذة صف من الصفوف بخلاف مدارسنا التي يجلس على مقاعد صفوفها الذكي ألفاضل إلى جانب الغبي الخامل وهو ناجم فينا عن مراعاة العواطف والالتماس في ألفحص السنوي مما أخل بنظام مدارسنا خللاً بليغاً وللمدارس التالية الألمانية عناية خاصة بأطوار التلامذة فهي تنتخب لهم مشاهير الأطباء في الأجسام والعقول لإجراء الكشف الطبي فالتلامذة المصابون بأمراض وعلل مختلفة والمبتلون بالخمول والجمود أوالحماقة وخفة العقل بطريق الوراثة لا تجوز لهم مخالطة غيرهم في المدرسة بل ينقلون إلى مدارس خاصة بهم تتوفر فيها أسباب معالجاتهم ومداواتهم مع إعطائهم قليلاً من العلوم والفنون على ما يناسب اقتدارهم وتكون غالباً تلك المدارس قائمة بين الغابات والأحراج أو على ضفاف الأنهار حول المروج وغيرها من المواقع الطبيعية.
ومما هو جدير بإطالة النظر وإمعان الفكر قلة المدارس الليلية في ألمانيا بالنسبة إلى ما في بلاد الشعوب الأوربية والأمريكية. فالألمانيون لا يقبلون عليها ولا يميلون إليها وهي تكون على الأغلب ملجأ للمنقطعين وأبناء السبيل وغيرهم من ألفقراء والمسغبين الذين يتعذر