وبعد فإن النهضة الأميركية أحدث من النهضة الإنكليزية وأقوى من النهضة الألمانية والروسية وأحسن انتظاماً من النهضة اليابانية ومنها الخوف القريب على مستقبل العالم. وأن مبدأ مونرو مضافاً إلى نهضتها الزراعية والصناعية والتجارية هو ما يطوي الأحشاء منها وجل أبداً من حيث الأمور السياسية. ولقد كان للنساء اليد الطولى في هذا الارتقاء فإنك ترى للمرأة في الولايات المتحدة من الاعتبار والمقام مالا تراه لها في بلاد أخرى من ممالك الأرض. فالمرأة هناك تؤسس البيوت على التقوى والحب لا على المصلحة والمنفعة وتنفخ في ذويها النشاط الذي يعلى منزلة الإنسان وتحببه إلى النفوس. فمن أجل المرأة قام الأميركان بأعمال عظيمة في حروب الرقيق المدعوة بحروب الانشقاق ومن أجل المرأة ترى الأميركي معجباً بنهضته وساهراً أبداً على دفعها إلى أقصى غايات الكمال على أن في الولايات المتحدة من المسائل السياسية الداخلية ما لم توفق بعد إلى حله مثل مسألة الرقيق والمسألة المالية ومسألة الجيش ومسألة البحرية ولا ينبغي لمن يرغب في العمل من الدول أن ينتظر ريثما تنحل هذه المشاكل لئلا تفوته الفرصة وتنادي محبة المباراة منهن الصيف ضيعت اللبن.
أما المسائل العسكرية والبحرية فالولايات المتحدة تحلها أي حل ناهيك بأمة لم يكن لها سنة ١٨٩١ من السفن الحربية ما يستحق الذكر وصار لها اليوم المقام الثاني بين الدول البحرية وتطمح إلى إحراز المقام الأول مما يتأتى لها في القريب العاجل. وإني لآمل أن لا يذهب كلامي في الهواء إذ أن نهضة الأميركان تستحق أن تستدعي أنظار الأوروبيين ما دامت تسوي كل مسائلهم ويمتلئ الفراغ وتصلح النواقص ولم يبق في الولايات المتحدة في الحقيقة غير مسألة السود التي تنحل بطبعها يوماً عن آخر.
وما برح إخلاف عبيد إفريقية ينمون منذ حرب الرقيق وكانوا إذ ذاك أربعة ملايين فغدوا اليوم من اثني عشر إلى ثلاثة عشر مليوناً على أن السواد الأعظم منهم ما برحوا في ذهول وخمول وما فتئ الأميركيون يكرهونهم كثيراً وإن حرروا من رقهم فقد لا تجد فتاة أميركية تزوجت بزنجي ولطالما عوقب بعض الزنوج على إن أطالوا يد تعديهم على النساء البيض ومزقوهن إرباً إربا وهذا ناتج عن البغض القديم المتأصل بين العنصرين ويزيد فيه الصفات السيئة التي اختص بها الزنوج بيد أن العقول ما برحت تفكر في تلك البلاد بإيجاد