وكانت الطرق البرية المسلوكة معبدة كل التعبيد ومرافق الحياة موفورة بها ولا سيما البغال والحمير والخيل والجمال والهوادج والمركبات لكل إقليم اصطلاحه وعاداته ولذلك كان المرء إذا قصد السرعة يتأتى له ذلك كما فعل البارودي لاكاد فقضى اثنين وعشرين يوماً للذهاب من الأستانة إلى فونتينبلو قرب باريز. وزار برتراندون دي لابروكيير القدس فرجع راكباً من الأستانة إلى فرنسا من طريق بلاد الفلاخ وبلغراد وبشته في خمسين يوماً ووقف منها أياماً في الطريق وقضى الرحالة ابن جبير من لدن خرج في القرن السادس للهجرة في غرناطة الأندلس إلى أن آب إليها عامين كاملين وثلاثة أشهر ونيفاً. وكان للأندلسيين غرام في الرحلة إلى المشرق يقصدونه للحج وطلب العلم والتجارة كما كان للمشرقيين عناية بذلك ولكن أقل من عناية الأندلسيين ولا غرابة فالأندلسيون أوربيون ومن أين للشرقي همة كهمة الغربي.
لقد عمرت مدن كثيرة في القديم بسبب التجارة لإيواء القوافل والسياح وفي جنوبي أوربا شيء كثير منها وفي بلادنا عمرت البتراء (وادي موسى) وتدمر كما عمرت مخافي بلاد اليمن في أواخر القرن الثامن عشر ثم خلفتها مدن في نقل واردات اليمن وصادراتها وكان يصل إليها من أرض الهند الياقوت واللؤلؤ وأصناف من المسك والكافور والعود الرطب والعطر والحديد والفلفل ويصل من الصين الحرير والقصبات ويصل من عمان وأرض فارس تحف كثيرة. وكانت اليمن كالشام والعراق لتوسطها بين الشرق والغرب يغشاها كثير من تجار الأوربيين منذ العهد الأطول.
وفتح العرب قبل غيرهم طرق التجارة مع الشام قبل الإسلام بل وصلوا إلى أقصى الروم وإلى الهند والصين يبتاعون مصنوعات الأمم الصناعية ليحملوها (المقتبس م٧ ص٢٢٢) إلى الشعوب البربرية في أوربا. وللعرب مرفآن تجاريان عظيمان متصلان بالعاصمتين أحدهما البصرة على خليج فارس تفرغ فيه مراكب الهند تحمل العطور والأبازير والعاج وتجيء الجنوك الصينية تحمل صمغ اللك والحرير وتعود بالزجاج أأ
والسكر وماء الورد والقطن والإسكندرية هي المرفأ الثاني فتحت على العرب طريق البحر الرومي وإليه كانت تصل مراكب إيطاليا.
وتسير القوافل من بغداد إلى كل ناحية فمن الجنوب الغربي نقصد إلى دمشق وسورية