للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتعلم الارتجال بتكرار العمل فيه. وأن الواجب تعويد الناشئة النطق منذ نعومة أظفارهم وأن صناعة الخطابة ولا سيما الارتجال لا يتعلمها من جاز الأربعين من العمر ولا من جاوز الثلاثين فالأولى أن يبدأ بها منذ الصغر وانه من اللازم على من يريد تعلم الخطابة أن يستنصح صاحباً له يدله على عيوبه في النطق والإشارة وأن يأخذ النفس كل يوم بسماع مصاقع الخطباء لا متوسطيهم حتى يتعلم منهم فأن المتوسط يفسد عليه ملكة الخطابة ولذلك كانت العواصم والحواضر أكبر ميدان للتخرج من الخطابة لأن فيها من أهل الطبقة العالية أصنافاً من الخطباء. وذلك لأن السماع يجعل المتكلم متكلماً وفكر البشر يغتذي بالتقليد وعليك يا هذا أن لا تعمد إلى استعمال الغريب ولا تتقمر بل توخ السهولة ومألوف الناس من الكلمات تؤثر فيهم وتفعل في عقولهم. لا تعمد لغير الوضوح ودع الكلمة النادرة للشاعر والكلمة العويصة للفيلسوف وإذا اعتقدت أنه يكفي الإنسان أن يتلو كتاباً يبحث في أصول الخطاب حتى يصبح خطيباً فألق سريعاً هذا الكتاب طعاماً للنار.

كان بوسويه نصف مرتجل يعد مفكرات لخطبه ثم يزيد عليها وينقص منها عند الإلقاء وكان فلشيه وفنيلون في مواعظهما يعدان ما يلقيان من قبل ويستظهرانه وكان كوشين يعد من قبل مدافعاته حتى استطاع في آخر عمره أن يرتجل. وكان المحامي جربيه يعد ما يخطب به مطولاً ولا يزال يمحو منه حتى لا يبقي على أكثر من عشرين سطراً وكان تارجه يكتب دفاعه برمته ويقرأوه وكان ميرابوا خطيب الثورة ممن يعتمد على الكتابة ليخطب فاضطرته السياسة أن يرتجل وما كان يحسن الكتابة وهو مستريح البال أما إذا هاج فهو يعاود القلم ويكتب في الجملة وكان يبدأ بخطابه متأنياً في باديء الأمر ويتحمس بالتدريج وكان فيرنيو من خطباء الثورة لا يخطب إلا إذا تألم لظلم يقع أو حاذر خطراً يداهم وعندها تنتبه حواسه ويفكر سريعاً ويعمل في ساعة ما لا يعمل في ساعات. بدأ محامياً وكان يكتب دفاعه ويتلوه ثم كف عن الكتابة وكان يعد كل الإعداد خطبه الكبرى ولا سيما في تلاوتها لأصدقائه من قبل أن يلقيها على الجمهور وهذه الطريقة هي التي جرى عليها بعد حين تيرس رئيس الجمهورية الأول في الجمهورية الثالثة والعالم المشهور وكان كواديه من خطباء الثورة يكتب خطبه عندما كان محامياً ولما أصبح خطيباً سياسياً صار يرتجل وكان ايسنارد من خطباء الثورة مرتجلاً ولكنه كان يكتب وكان دانتون خطيب