تلك الحال يسرع في خطابه غير مبال أما إذا لم يكن على حالة من تلك الحالات فيتلعثم ويتردد ولا يعثر على اللفظ الذي يريده والخجل الذي يشعر به يزيد هذا الارتباك ومنهم من لا تأتيه الأفكار وتواتيه إلا إذا كان القلم بيده. وآخر يستظهر المقدمة والخاتمة ومعظم الجمل الأساسية ثم يتكلم ويترك الباقي للمصادفات وغيره يرى أن الكلمات تولد فيه الأفكار وتفتح أمامه أفقاً جديداً وهو يدرس موضوعه بالإيجاز ويفكر فيه قليلاً أو طويلاً بدون أن يحكيه ولا يكتبه في عقله ويكتب أو يحاول أن يكتب والكتابة تسهل بزوغ الفكر أحياناً وأحياناً يتضرر من الكتابة وتفلج قريحته. وبالجملة فإن الكلام بالجمهور من شأن الحكومات الديمقراطية والخطباء يكثرون كما قال مونتين حيث تكون الأمور تتقاذفها للعواطف الدائمة بين أخد ورد.
وقال ريبو أن معرفة الموضوع الذي يريد الخطيب الخوض فيه ورسم خطته في الفكر بسيطة للغاية من قبل وهما شرطان أساسيان للخوض في الكتابة وما عدا ذلك فهو من شأن الحضور المستمعين أكثر مما هو من شأن الخطيب وأسعد ضروب الارتجال مما ساعد فيه الحضور بتراسل عيون الحب بينهم وبين خطيبهم والعبرة في معرفة روح الجمهور فإن له مناحي خاصة في الحسن والتعقل والفهم وحتى ولو كان مؤلفاً من فلاسفة وعقلاء قال ماكس نوردو: اجمع عشرين أو ثلاثين من أمثال كيتي وكانت وهلمهولز وشكسبير ونيوتن واعرض على حكمهم وآرائهم المسائل العملية الحاضرة فإن قراراتهم لا تخلف بتاتاً عن مقررات أي مجلس كان. ولماذا يكون ذلك؟ لأن كلاً من العشرين والثلاثين منتخباً فضلاً عن تفرده بمزايا تجعله رجلاً فائقاً قد ورت بعض صفات نوعه مما يكون به مثيلاً لجاره في المجلس بل شبيهاً لعامة الأشخاص الذين يمرون في الشارع فإن الجوهر الإنساني مستحكم من شخصية المرء وطربوش العامل يغطي قبعة الفيلسوف.
قال المؤلف وبقدر ما يستطيع الخطيب قيادة جمهور سامعيه يفعل في أرواحهم ويسوقهم إلى ما يريد. ومن أجمل ما قاله بريان من خطباء فرنسا أن الخطاب ليس قطعة أدبية بل هو عمل والخطاب لا يعمل ليقرأ بل ليسمع وصورته التي يظهر فيها ثانوية فالتأثير يحدث والنتيجة الحاصلة هي كل شيء ومراعاة القواعد مطلوبة في الخطاب ولكن مهما كانت قيمته من الوجهة الأدبية فإنه إذا فصل عن محيطه الذي ألقي فيه وفارق الأسباب التي