طهران إلى خانقين الواقعة على تخوم العراق وبينها وبين الوزراء نحو مائة وخمسين كيلو متراً كما أن الألمان عزموا - على ما قيل - على نيل امتياز خط من خانقين إلى بغداد أموال تجارية من أوروبا تذهب إلى فارس وهي لا تقل عن ثمانية ملايين ليرة وتربح منها الدولة وتجار العراق أرباحاً جزيلة وسبب ذهاب البضائع من أوروبا والهند إلى فارس بطريق بغداد هو أن ثغور فارس على الخليج في ثورات وحروب وفتن يتطاير شررها كل حين إلى ما يجاورها من البلدان والمدن بحيث تعطلت أسباب النقل ولنقطعت سبل المواصلات بينهما وبين العالم المتمدن ولذلك يفضلون طريق العراق التي تحميها الدول العثمانية ببأسها وهيبتها.
لما فشلت إنكلترا في مزاحمة الألمان على نيل امتياز خطو بغداد الكبير حاولت أن لا يتناول الامتياز الألماني جنوبي العراق فيمتد خط من بغداد إلى البصرة فسواحل الخليج مخافة منها على القطر الهندي من أن تلعب فيه الأصابع الأجنبية ولكنها عجزت أيضاً عن تحقيق أمانيها وآمالها فحاولت بعد هذا الفشل والإخفاق أن تمد خطاً حديدياً يبتدئ من مدينة عهبادان التي اغتصبتها من سادتها الحقيقيين وأقامت فيها الأبنية الضخمة وسمتها لندن الشرق وينتهي إلى قصر شيرين محاذياً للتخوم العثمانية تجاه خانقين وماراً بمنابع البترول وكانت تضمر نيات سيئة وتبني العلالي والقصور من المكر فهي ترؤيد بهذا العمل أن تقتنص في شباك غدرها أربع فوائد الأولى: أنها تطرق العراق من جنوبه إلى شماله بنفوذها فتبذر فيه بذور الشقاق. الثانية: أنها تضرب تجارة بغداد ضربة قاهرة فينتقل طريق تجارة فارس منها إلى عبادان وهي فرضة إنكليزية وأقرب الثغور إلى أوروبا والهند وذلك لكيلا يستفيد الألمان من الخط الكبير فائدة عظيمة. والثالثة: أنها تعتمد إلى استثمار البترول الذي تمتد ينابيعه على تخوم العراق وفارس. والرابعة: أنها تعمد إلى كسر شوكة النفوذ العثماني على عشائر فارس وتريد أن تحدث شغباً وقلاقل على الحدود وتثير نار عصبية بين العرب والفرس.
غير أن إنكلترا لم تنجح بمسعاها لأن الأمر ليس من الهنات الهيئات فهو متوقف على إرضاء العثمانية وفارس والاعتماد على صداقة القبائل وهذا شيء عسير دونه خرط القناد.
كل هذه الشواهد التاريخية والسياسية نثبت لنا أن بغداد لا تمثل تجارة العراق فقط بل تمثل