للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والألفاظ الاصطلاحات كما هو المعروف في سورية وكلما كان القطر بعيداً عن الامتزاج بالأجانب كانت اللغة أقرب إلى الفصاحة والبلاغة وعلامة التعبير فلغة نجد واليمن وحضرموت والحجاز أفصح من لغة العراق لأن النجديين واليمانيين والحجازيين لم يمتزجوا ولم يختلطوا بالأعاجم حتى تفسد لغتهم ويتسرب الدخيل إلى ألفاظهم كما أن لغة العراقيين أقرب إلى الفصاحة من السوريين لأنهم أقل اختلاطاً بغيرهم وهذا القياس مقصور على اللغات الشائعة بين العامة لا على لغات الخاصة فإنها واحدة في جميع الأقطار وارتقاؤها متوقف على نسبة ارتقاء العلم وانتشار المدارس.

في العراق كثير من أثمة اللغة والأدب والبديع والبيان والتاريخ والفلسفة القديمة ولكنهم لم يظهروا كما ظهر العلماء السوريين لأن المطابع والصحف في سورية ساعدت فضلاءها وأدباءها على نيل الشهرة والصيت بعكس العراق فهو حديث العهد بالمطابع وبالصحافة وتاريخها يرتقي إلى ما قبل الدستور بزمن يسير واعرف كثيراً من كبار العلماء والمجتهدين وأرباب العقول والمفكرين في العراق يترفعون عن الكتابة في الجرائد والمجلات ويعتقدون أنها من خصائص صغار التلامذة ولولا هذا الاعتقاد لعرف العالم العربي جمهوراً كبيراً من فطاحل العلماء وأرباب البحث والنقد وهم الآن منزوون بين جدران المعابد والمساجد. وكما نشأت في الشام بيوتات شريفة اشتغلت في العلم والأدب كأسرة البستاني واليازجي والشرتوني والأسير وأرسلان كذلك في العراق اشتهرت بنشر العلم والآداب بيوتات رفيعة العهد كعائلة الألوسي والسويدي والشبيبي والحلي والقزويني والشاوي والفاروقي فإن جميع هذه الأسر الكريمة مما توارثت العلم كابراً عن كابر منذ مئات من السنين. والنهضة العلمية في العراق أقدم عهداً من النهضة في سورية إلا أن الأولى اعتورتها الحادثات والكارثات والثانية جدت في طريقها فساعدها الزمان على النشوء والارتقاء ففي اليوم الذي أولدت بغداد شاعراً مفلقاً كالأزري الذي لا يزال شعره من أبلغ ما قالته العرب المتأخرون وعالماً كالشهاب الألوسي ولغوياً كالحلي لم يكن في سورية يومئذ - قبل مصر تقريباً - من احتذى حذوهم وسار على منوالهم وجاراهم في أسلوبهم وأعمالهم. وفي قطر العرق اليوم كلية علمية أو معهد أدبي يقطنه بضعة آلاف من التلامذة الذين يشتغلون في العلوم العربية وفي الاجتماع والفلسفة والأخلاق - ذلك المعهد هو مدينة