(جادك الغيث إذا الغيث هما ... يا زمان الوصل في الأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس)
وتناقل منها بعد ذهاب عضارتها إلى بلاد العدوة بإفريقيا والمغرب وانقسم على أمصارها: ولم يزل الغناء يتكيف بمجريات الدولة العباسية صعوداً وهبوطاً حتى جرت عليها جوار السعد والنحس فتارة تعتورها دواعي الانحلال وأخرى تصادمها هوادي الاضمحلال وهي تتماسك تماسك الريحانة في مهاب الرياح إلى أن قضى عليها القضاء المبرم فقضى معها الغناء كما قضت فنون الأدب وكثير من العلوم فلبثت علوم الأدب ومعها الغناء في طي الخفاء ماشاء الله أن تلبث فكان الغناء يعد في تلك الفترة لغواً وينظر للمغني بالنظر الذي لا يرضاه الأدب إلى أن بعث الله تعالى في هذه العصور الأخيرة في مصر والشام والعراق من نهض بالأدب من كبوته وبالغناء من القطرين الأولين من عثرته ولكن لم يزل الغناء حتى الآن في دور طفولتيه لم يبلغ الحلم كأخيه الشعر وسائر فنون الأدب التي قطعت شوطاً بعيداً.
أول من دون الغناء
اتفق الجمهور على أن واضع هذا الفن أولا فيثاغورس فإنه صنع آلة وشد عليها ابريسماً ووضع قواعد هذا العلم وأضاف بعده الحكماء مخترعاتهم إلى ماوضعه إلى أن انتهت التوبة إلى أرسطاطليس فتفكر فوضع الأرغنون وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأسيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس لا مجرد اللهو والطرب. أما عند العرب فإن أول من ألف في هذا الفن يونس بن سليمان الكاتب الذي أخذ الغناء من معبد وتبعه كثيرون كالخليل ابن أحمد فإنه ألف كتاباً في الموسيقى زم فيه أصناف النغم وحصر به أنواع اللحون وحدد ذلك كله ولخصه وذكر مبالغ أقسامه ونهايات أعداده. وكيحو بن أبي منصور الموصلي فإنه ألف كتاباً في الأغاني وآخر في العود والملاهي وابراهيم بن المهدي ألف كتاباً سماه كتاب الغناء واسحق بن ابراهيم الموصلي ألف كتباً كثيرة في الغناء والمغنين. وبذل المغنية ألفت كتاباً في الأغاني يشتمل على أثني عشر صوت ويحي بن مرزوق المكي ألف متاباً يشتمل أيضاً على أثني عشر ألف صوت إهداء إلى محمد بن عبد الله ابن طاهر فوصله بثلاثين ألف درهم وشاع هذا الكتاب وصححه الموصلي وعبد الله