يحملنا قسراً على تصديق كل ما لا يقبله العقل في هذه الأزمنة لأن ما يكذب اليوم قد يصدق غداً وما لا يتحقق في هذا العصور المقبلة فلو قيل لا سلافنا أن الإنسان في القرن العشرين يقطع المسافة بين الأستانة وبرلين وباريز في يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر وأن سيأتي يوم تتحارب فيه الأمم فوق اليابسة وتحت البحر وفي الجو وأن الشعوب تتخاير في لحظة من الزمن بالبرق اللاسلكي لقالوا أن هذا الأمر من رابع المستحيلات وبعيد الوقوع لأن عقولهم لم تكن على درجة من الكمال والقوة كما هي عقول المعاصرين المشهورة بالإبداع والاختراع وهذه الحقيقة تثبت أننا اليوم عاجزون عن أدراك ما سيأتي به العلم من العجائب والغرائب فإن الفن الذي قرب البعيد وأدنى الشاسع ورفع العقل البشري إلى هذا المستوى الراقي فزاحم الطيور والأسماك لهو هو الذي يمهد السبيل لكثير من الغرائب التي لا نصدقها ونحمل القائل بها على الشعوذة والتمويه إن ما نسميه اليوم بالشعوذة كاستنطاق الأرواح وأخذ أخبار المستقبل عنها والأنباء بالوقائع قبل حدوثها وكالناظرين في الأجسام الشفافة من المرايا وطاس المياه وقلوب الحيوان وأكبادها وعظامها واستخراج المجهول والسرقات بالتنويم المغناطيسي \ وقلب الماء إلى تراب والتراب إلى ماء واستخراج المسكوكات الذهبية والفضية من الحجارة أو من الورق - قد يكون صحيحاً ويثبته العلم غداً بعد أن تعمل العقول فيه معملها وكثير من هذه الأعمال يثبت العقل بطلانه وكذبه منها مسألة قلب الحجر إلى سكة ذهبية أو غيرها لأنه لو صحت هذه الأعمال لكان العامل بها من أغنى البشر ولما كان في فقر مدقع ولكن الأنباء بحوادث المستقبل واستنطاق الأرواح هي محل النظر والإمعان فقد رأيت قبل ثلاثة أعوام عجوراً شمطاء تأوى إلى مسجد الكيلاني في بغداد يقصدها الناس إلى استخراج السرقات التي تعجز الشرطة عن معرفة أبطالها فهي تنبئهم بأسمائهم واحداً واحداً وتخبر عن أمكنة الأشياء المسروقة كأنها ربة الدار وصاحبة المخزن ولو سألت صاحبها عن مفرداتها لما أستطاع أن يخبرك عنها كما هي تخبر وتقول ولولا أن العجوز زاهدة ومشهورة بالتقوى والصلاح لقلنا أن لها صلات مع السراق ولهم نوادر كثيرة من هذا القبيل تدل على كهانتها وعرافتها وأن لها بصراً نافذاً ونظراً ناقداً ومن هذا القبيل ما ورد من الحكايات والروايات عن شق وسطيح الكاهنين وكانا أنبأ في تأويل رؤيا ربيعة بن مضر عن ملك الحبشة لليمن.