الظباء نفارها ومضت راجعة على سننها. وأغرب من ذلك ما روي عن عائشة قيل كان واقفاً بالموسم متحيراً فمر به أصحابه فقال له ما يقيمك ههنا فقال: أني أعرف رجلاً لو تكلم لحبس الناس ههنا فلم يذهب أحد ولم يجيء فقال له الرجل ومن ذاك قال أنا ثم أندفع يغني
جرت سنحاً فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء
بنفسي من تذكره سقام ... أعانيه ومطلبه عناء
قال: فحبس الناس واضطربت المحامل ومدت الإبل أعناقها وكادت الفتنة أن تقع فأتى به إلى هشام بن عبد الملك فقال له هشام: أرافق بتيهك فقال: حق لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تياها. ومثل ذلك ما رواه الأصمعي قال قدم عراقي بعدل من خمر العراق إلى المدينة فباعها كلها إلا السواد فشكا ذلك إلى الدرامي وكان قد تنسك وترك الشعر ولزم المسجد فقال: ما تجعل لي أن أحتال لك بحيلة حتى تبيعها كلها على حكمك قال: ما شئت قال: فعمد الدرامي إلى ثياب نسكه فألقاها عنه وعاد إلى مثل شأنه الأول وقال شعراً ورفعه إلى صديق له من المغنين فغنى به وكان الشعر.
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا فعلت بزاهد متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه ... حتى خطرت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه ... لا تقتليه بحق دين محمد
فشاع هذا الغناء بالمدينة وقالوا قد رجع للدرامي وتعشق صاحبة الخمار الأسود فلم تبق مليحة بالمدينة إلا أشترت خماراً اسود وباع التاجر جميع ما كان معه فجعل أخوان الدرامي من النساك يمرون فيقولون ماذا صنعت فيقول ستعملون نبأه بعد حين فلما أنفذ العراقي ما كان معه رجع الدرامي إلى نسكه ولبس ثيابه.
وروى أبو العباس قال: حدثت أن عمر الوادي قال أقبلت من مكة أريد المدينة فجعلت أسير في صرد من الأرض فسمعت غناء من الهواء لم أسمع مثله فقلت والله لا توصلن إليه فإذا هو عبد أسود فقلت له أعد ما سمعت فقال. والله لو كان عندي قرى أقريك ما فعلت ولكن أجعله قراك فإني والله ربما غنيت بهذا الصوت وأنا جائع فأشبع وربما غنيته وأنا كسلان فأنشط وربما غنيته وأنا عطشان فأروى ثم ابتدأ فغنى