وعندها ساد السكوت وانقطعت سلسلة الحديث فلم يتجاسر أحدهما على الاعتراف بأكثر مما اعترف والموقف حرج. فغير سعيد الموضوع خوفاً من لومها وعتابها وأخذا يبحثان عن المكتب فصار يمدح مستقبله ويشرح آماله ويتعلل بأنه سيكون منه رجل عظيم يحرز الرتب العالية والرواتب الوافرة إذا ساعده القدر ولم يخنه الحظ.
وهنا تم الحديث وانقضت جلستهما التي يصح أن تسمى الأولى وهي الأولى في شرح الغرام فودع سعيد حبيبته وأليفة صباه وذهب إلى مدرسته وآماله تسبح به في سماء الخيال وقد أيقن أنها شريكته في الحب فارتسمت صورتها أمام عينيه في درسه وعندما يخلو بنفسه وكان يذهب في تأويل كلماتها مذاهب شأن من رأى بصيص نور السعادة وكان منها محروماً. أو تجلت له أمارات الغنى وكان من قبل معدماً.
سل قلبك ينبئك عما في ضميري لك جملة فاهت بها جميلة فأخذ أليف صباها يقيم العلالي والقصور من الأحلام ويتفنن في تفسير مضمونها على أوجه وبعد أن نثل ما في كنانة علمه من فهم المعاني الدقيقة قال يخاطب نفسه: أسألك يا قلب ألا ما أطلعتني على ما حوته ضلوعها؟ فإن كان وداً خالياً من الغرام فلست أرضاه إذ لا يجديني نفعاً. ثم راجع نفسه فقال إن قلبي يحدثني بأن عندها مني ما عندي منها وأن سكوتها يدل على ذلك والسكوت في معرض الحاجة إقرار.
ثم ما لبث أن سخر من نفسه وقال: وإذا لم تعترف لي بما في فؤادها كيف يسوغ لي أن أحكم بحبها لي على وجه الذي ترمي إليه آمالي؟ وأنشأ يفكر فيما يوصله إلى معرفة كنه أمرها من ناحيته فرأى أن يسطر لها كتاباً يستطلعها به طلع أفكارها فبعث إليها بالكتاب التالي:
سيدتي - ساقتني الجرأة أن أكتب إليك بهذا الكتاب وأنا أخشى أن لا ينال منك قبولاً ولا يكون سبيلاً إلى غضبك الذي أعدّه من قواصم الظهور. وإني لأود أن يقيم لي عذراً مقبولاً بما يمت به إليك من بيان ما تجنّه أضالعي لك من الحب الطاهر. فإن قولك يوم اجتمعنا إن ما في قلبي لك ينبئني بما في فؤادك. قولٌ خليق بالنظر فقد فتشت في سويدائه وحناياه فلم