فارس فعره العامة من ثيابه بأنه سني وراحوا يطيلون إليه يد الأذى. وبعد شق النفس بلغ طهران ونال من ناظر خارجيتها إذ ذاك المرزا سيد خان جوازاً بمتابعة سيره.
ذكر المترجم به ما لقيه من رحلته هذه من المتاعب فإنه طاف بلاد فارس متنكراً في ثياب درويش وكاد يكشف أمره ويعرف أنه ليس من أهل الإسلام ولكنه نجا ولم تدرك حقيقته. ثم التحق بجماعة من الحجاج فرافقهم إلى خيوه وبخارى ولقي من سفره هذا نصباً لم يكن أقل مما لقيه في مبدأ رحلته وبعد سنة عاد إلى طهران فطلبته روسيا أن يكون موظفاً عندها فأبى وعاد إلى بودابست سنة ١٨٦٤.
وبعد أن قضى فيها مدة طُلب إلى إنكلترا بإلحاح شديد فذهب إليها واستقبل فيها بالحفاوة. وقد نشر فيها رحلته هذه بالإنكليزية فلم تلبث أن ترجمت إلى لغات أوروبا واشتهر أمرها وكانت الحكومة الإنكليزية تود كثيراً أن تجعل في جملة رجالها رجلاً كالأستاذ فمبري يعرف الشرق معرفة حقيقية ليكون منه لها أحسن خدمة ولكن العالم المجري آثر أن يعود إلى وطنه على شدة حبه لإنكلترا. وعند عودته عين أستاذاً لكلية بودابست فكان فيها أول أستاذ غير كاثوليكي.
وهنا انتهى تاريخ جهاد هذا الرجل وقد دام ثلاثاً وثلاثين سنة من حياته. وذكر فمبري في الفصول الأخيرة من رحلته كيف زار إنكلترا وفرنسا ولقي فيهما الملوك والأمراء وأعاظم العلماء ورأى منهم الحفاوة وأورد في فلصين اجتماعه بالسلطان عبد الحميد خان صديقه القديم والتقاءه بشاهي الفرس الأخيرين. وما أحلى الصفحة التي ذكر فيها كيفية اجتماع ناصر الدين شاه به لما اجتاز هذا مدينة بودابست في رحلته إلى أوروبا ودهشته لما رأى في المجمع العلمي المجري ذاك الدرويش الذي كان لقيه في طهران منذ بضعة عقود من السنين.
كتب فمبري في العلم والسياسة وكل ما خطته يمينه نافع خطير. فقد ابتدأ يعمل في الصحافة بعد بلوغه الأستانة بقليل من الزمن ومن ذاك العهد لم يفتأ يؤازر في عدة مجلات إنكليزية وأمريكية وألمانية وفرنسية. والسنُّ لم توقفه عن نشاطه ولا عاقت حركته عن الانبعاث فإنا نراه إلى اليوم يتناول الموضوعات المختلفة بالهمة المعهودة فيه فبينا تراه يبحث في اللغات وعلمها إذا هو يبحث في الآداب فأصول الشعوب فالتاريخ فالسياسة